استمر التضارب في تصريحات المسؤولين العراقيين والأميركيين في خصوص قدرات القوات العراقية بعد الانسحاب الأميركي من العراق المقرر نهاية عام 2011. وتباينت ردود الفعل السياسية أمس في شأن تصريحات رئيس أركان الجيش العراقي بابكر زيباري التي ذكر فيها أن العراق لن يكون قادراً على حماية حدوده الإقليمية بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق إلا في حلول عام 2020. وأكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي جاهزية القوات العراقية لحماية أمن العراق وسيادته. وقال المالكي خلال حضوره مؤتمر القادة الثاني (مؤتمر الجاهزية) لرئاسة أركان الجيش الذي أقيم في مقر وزارة الدفاع. وأضاف: «أبارك لكم هذا المؤتمر، وأريد أن أقف أمام مفهوم الجاهزية. قطعاً هذا المفهوم يعني الجانب المادي لكل القوات: البرية والجوية والبحرية والساندة. وهذا أمر طبيعي جداً لأن الوحدات لا بد أن تكون جاهزة لتحمل المسؤولية، ومن خلال ما تحقق، أصبح لدينا جيش يمتلك العدة والعدد والتدريب والقدرة على حماية أمن العراق وسيادته». وقال إن «قوة العراق ليست في سلاحة فقط إنما في ديموقراطيته ووحدته الوطنية ووعي قواته المسلحة ومعرفة الصلاحيات والحدود من جانب الجميع». وأضاف: «يجب أن يضاف للجانب المادي في الجاهزية الجانب المعنوي والعقائدي والتربوي، لأن الأسلحة وحدها لا تكفي ولا تحل المشكلات وتحقق الأمن. وكان العراق سابقاً في ظل الدكتاتورية، مسلحاً بأجهزة هائلة». وتابع أن «الجنود عندما يقفون في الشوارع ويواجهون التحديات ويعتقلون من يعتقلون ويتعرضون لما يتعرضون له ليس هو قتال ضد الإرهاب فقط إنما هو من جهة أخرى يحقق الخدمات والرفاهية والاستقرار». وتابع: «لا نريد أن نبقى فقط عند العمل العسكري. طالت معاناة العراقيين، وعلينا أن نطلق عملية البناء والإعمار إطلاقاً حقيقياً وأكبر بعدما حققنا كثيراً في ذلك واستقرت الأمور في مختلف محافظات العراق، وتوفرت بيئة آمنة ومستقرة، وتحركنا باتجاه البناء والإعمار والاستثمار». وزاد: «يجب الابتعاد عن ظاهرة المجاملات وتسييس بعض القضايا كعملية تشكيل الحكومة. رجل الأمن ليس له علاقة بذلك، والحكومة ستتشكل وستمشي العملية السياسية. ولكن رجل الأمن مسؤوليته حماية البلاد، وأن يكون في عمله وحضوره وعدم السماح لمن يريدون إثارة الأجواء الإرهابية». وقال المالكي: «لا أريد أن أنقص شيئاً من الذي قدمتموه والتضحيات والشهداء، ولكن ربما تحصل ظاهرة هنا وهناك يجب مراقبتها، وهي ظاهرة العودة إلى مجاملة الانتماءات الحزبية أوالسياسية. وأنا دائماً أنبه إلى ذلك. وربما تتحسس الأحزاب، وأنا لا أقصد الاستهانة بالأحزاب والحزبيين. إنما نريد للجيش الذي هو مكون من جميع أبناء الشعب أن يكون بعيداً عن ذلك. وأحذر من ظهور الطائفية والعشائرية والمناطقية في صفوف قواتنا المسلحة. يجب أن لا تكون هناك أي ظاهرة عدا الأمن والتدريب والعقيدة الوطنية ومسك الشارع والمؤسسات». تباين وكان رئيس أركان الجيش العراقي بابكر زيباري قال خلال مؤتمر صحافي أول من امس أن «الانسحاب ربما يسير في شكل جيد الآن وذلك لأن القوات الأميركية ما زالت في البلاد، ولكن المشكلة ستبدأ مع حلول عام 2011». وطالب زيباري السياسيين «بإيجاد أساليب أخرى لتعويض الفراغ ما بعد عام 2011، لأن الجيش لن يكتمل قبل عام 2020». وأكد علي الموسوي مستشار رئيس الوزراء العراقي ل «الحياة» أن جدول الانسحاب سيسير وفقاً للخطة المرسومة، ولن يتأثر بتأخير تشكيل الحكومة أو الأحداث الأمنية. وأوضح الموسوي أن «المشكلات الأمنية التي وقعت في بغداد خلال الأيام الماضية لن تكون مبرراً لأي تغيرات في الجداول المرسومة للانسحاب، وأن قوات الأمن جاهزة لاستلام الملف الأمني بالكامل من الجانب الأميركي في المواعيد المحددة». وقال فرياد راوندوزي عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي السابق ل «الحياة» أن «القوات العراقية ستحتاج الى وقت اطول بعد عام 2011 لتكون قادرة على حماية الحدود الإقليمية». ولفت الى أن «وزير الدفاع العراقي أكد مرات خلال لقاءاته مع لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي السابق، وأثناء استضافته أمام مجلس النواب أن القوات العراقية لن تتمكن من حماية الحدود الإقليمية بعد انسحاب القوات الأميركية، وأن العراق سيعتمد على الولايات الأميركية في ما يتعلق بالجهد الاستخباراتي». وأكد أن «قوات الأمن العراقية ستعمل على استلام الملف الأمني في المدن فحسب. أما بالنسبة للوضع الإقليمي، فهي تحتاج الى مدة أطول لتنمية قدراتها وبناء ترسانتها العسكرية». ووقع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري والسفير الأميركي السابق في بغداد رايان كروكر في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2008، اتفاقاً أمنياً يمهد لانسحاب القوات الأميركية من البلاد خلال ثلاث سنوات أي في حلول عام 2011. ويحدد هذا الاتفاق العلاقات بين البلدين لسنوات مقبلة، أمنياً واقتصادياً وثقافياً وعلمياً وتكنولوجياً وصحياً وتجارياً من بين مجالات أخرى كثيرة. وكان الجيش الأميركي في العراق أكد منتصف هذا الأسبوع سحب 15 ألف جندي من العراق في حلول الأول من أيلول (سبتمبر) المقبل. وأكد أن قرار سحب الجنود يأتي تطبيقاً لبنود الاتفاق الأمني الموقع بين حكومة بلاده والعراق. الى ذلك، أكد الجنرال مايكل باربيرو نائب القائد العام للقوات الأميركية في العراق أمس، أن القوة الجوية العراقية، بطائراتها المئة، أصبحت جاهزة لتسلم زمام مسؤولية حماية الأجواء العراقية بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق نهاية العام المقبل، بحسب بنود الاتفاق الأمني الموقعة بين بغداد وواشنطن. وقال باربيرو إن «القوة الجوية العراقية تمتلك حوالى مئة طائرة، وهي مهيأة تماماً لحماية أجوائها وتغطية العمليات العسكرية مع القوات البرية». وشهدت بغداد تصاعداً في وتيرة العنف خلال الأشهر الأربعة الماضية، في ظل تعثر المفاوضات الرامية الى تشكيل الحكومة العراقية وتحذيرات القادة السياسيين من أن التأخير سينعكس سلباً على الواقع الأمني. غير أن الحكومة نفت ذلك، وأكدت أن الملف الأمني يدار بمعزل عن الملف السياسي.