دائماً ساعة يهتف رمضان، يجد الكثيرون. كباراً، كهولاً، صغاراً، شيئاً ما يبث فيهم الحنين، إلى التذكر والتأمل والتذوق. وربما أحياناً أخرى إلى الاستعبار والتفكر. هل هي الروحانية المثلى حين تداعب شغاف القلب؟ أم السكينة التي تتنزل من السماء حين تتصفد الشياطين. حالة كتلك مرت بضيف «المساحة» المؤرخ والأديب الشاعر عبدالرحمن الملا، الذي استهل حديثه بالقول: «هذا ليس رمضان الذي دعا إليه الإسلام»، وهو يصف واقع المسلمين في تعاملهم مع شهر رمضان الكريم. واعتبر في حديثه مع «الحياة»، أن «أسوأ ما يمارسه المسلمون في الشهر الفضيل، النوم نهاراً والسهر ليلاً». ولم يوفر القنوات الفضائية، موضحاً أن «من السلبيات الكثيرة المسلسلات التلفزيونية، التي تقتل أوقات الناس»، مطالباً بأن «تكون أكثر نضجاً». وقال الملا: «المجتمع الإسلامي خرج بشهر رمضان عن الإطار، الذي من المفترض أن يكون عليه، من تدريب على الصبر، وقوة التحمل، والجوع»، مشدداً «هذا ليس رمضان الذي يدعو إليه الإسلام». وانتقد ما يصاحب الشهر الكريم من «إسراف في الأطعمة، وتمضية الوقت في النوم». ولفت إلى أن «معظم فتوحات المسلمين ومعاركهم الشهيرة، مثل معركة بدر، وموقعة عين جالوت، وفتح القسطنطينية، تمت في شهر رمضان، ما يعني أن المسلمين في هذا الشهر لم يكن همهم فيه الطعام، وتنويع الموائد، وقتل الوقت في اللهو»، داعياً إلى «تنظيم الوقت، والمحافظة على النمط المعتاد من النوم ليلاً، واليقظة نهاراً». ولا يختلف برنامج الملا اليومي في شهر رمضان عن بقية أيام السنة، وأوضح «أحافظ على نمط حياتي موحداً»، إلا أنه «في بداية الشهر انشغل في استقبال التهاني وتبادل الزيارات، إضافة إلى تخصيص جزء من الليل في تلاوة القرآن الكريم، على رغم من حرصي على تخصيص نصف ساعة ليلياً في أيام السنة الأخرى، إلى القرآن الكريم، وذلك قبل النوم». الملا يخصص كذلك جزءاً من وقته في «متابعة بعض برامج الراديو، والقنوات التلفزيونية، لكن من دون حرص شديد على المتابعة»، مضيفاً أن «من بين القنوات الفضائية التي أتابعها قناتي الإخبارية والثقافية، وإذاعة البرنامج العام، وبرنامج جدة، وإذاعة لندن، إلا أن أكثر ما أهتم بمتابعته إذاعة القرآن الكريم». واعترف الملا بأن «مساحة قراءة الكتب في رمضان تتقلص لديه، وذلك نتيجة تمضية جزء من الوقت في تبادل الزيارت، واللقاءات، والتي يتم فيها تبادل الأحاديث حول مختلف المواضيع الحياتية والاجتماعية والثقافية، وما يفرض ذاته، بحسب الظروف والأحداث الجارية»، موضحاً أن «أكثر من ألتقيهم في الزيارات الأصدقاء والأقارب»، لافتاً إلى «تزايد اهتمامه أكثر في هذا الشهر بمطالعة كتب التفسير والفقه، أكثر من غيرها، بسبب كثرة ما يدور حولها من أسئلة». وألمح الملا إلى أن «شهر رمضان سيكون شبيهاً برمضان الماضي، إلا أنهما مختلفان عن شهور رمضان في الزمن القديم، الذي كان من أبرز ما يميزها بثها روح الفرح فينا، نتيجة للتغير». وعن استقباله الشهر الكريم قال «في الماضي لم يكن التعرف على بدء شهر رمضان بسهولة، لذا كان الناس ينتظرونه بلهفة شديدة، وتطلق في استقباله 21 طلقة من مدفع رمضان، تحية لإقباله، وكان لهذا الحدث رونق خاص»، مشيراً إلى أن «إطلاق المدفع كان متعارفاً عليه في كثير من الدول الإسلامية، فتطلق طلقتين لدى الإعلان عن حلول كل من وقت الفطور والسحور، والإمساك، فيما يطلق يوم العيد أيضاً 21 طلقة، في أثناء صلاة العيد». وذكر أن من أبرز ملامح شهر رمضان «المسحراتي، الذي نطلق عليه بوطبيلة»، مضيفاً أن «الأطفال كانوا يفرحون به كثيراً، ويسيرون خلفه جماعات، وهو يطوف في الأزقة والسكك بطبلته منادياً انتبه يا نايم، الله الدايم». ولفت إلى أن «الناس منذ ذلك الزمن كانت تهتم بشراء المواد الغذائية، وإطعام الطعام، وبخاصة لدى الأسر الميسورة، التي لها اهتمام كبير في هذا الشهر بالمحتاجين، ولا تخلو مائدة أحدهم من ستة ضيوف على أقل تقدير، كما تقدم بعض المساجد أثناء الإفطار بعض المأكولات». ويحتل «الأرز الأحسائي مكاناً خاصاً في السحور». وبين أن «وسائل التسلية في هذا الشهر، في أيام الطفولة المبكرة، كانت محدودة، وبعد أن جاءت محطة «أرامكو» التي كانت تبث برامج منوعة ثقافية، وصحية، واجتماعية، إضافة إلى الأفلام، تحسن الواقع بعض الشيء». وأشار إلى أن محدودية أوقات بث تلك البرامج، قلل من تأثيرها على المشهد على خلاف الآن، لافتاً إلى «الدور الكبير الذي لعبه الراديو في تقديم برامج مسلية بعد ذلك، وثقافية ذات مذاق يفوق مذاق ما يقدمه التلفزيون في هذا الوقت»، مختتماً بأن «المقاهي لم تكن معروفة في الأحساء في ذلك الزمن، وكان اجتماع الناس يتم في منازلهم».