في العدد الأخير لمجلة «تايم» الأميركية وضعت المجلة قصة الفتاة الأفغانية عائشة، ذات ال «18» ربيعاً، هي قصة العدد الرئيسة، ووضعت صورة تلك الفتاة على غلاف العدد وهي تنظر للعالم بحزن وألم بعد أن تم قطع أنفها وأذنيها بعد صدور حكم عليها من إحدى محاكم حركة طالبان الأفغانية في المناطق التي تسيطر عليها الحركة هناك، ويعتقد من يرى شكل الفتاة والتشويه الذي أصابها أنها ارتكبت جرماً عظيماً، ولكنه كان بسبب خروجها من بيت زوجها من دون إذنه، بسبب ما تلاقيه من ظلم على يد زوجها، الغريب أن المحكمة الطالبانية خولت الزوج وأهله لتنفيذ الحكم في الفتاة المسكينة، إذ تشرح كيفية تنفيذ الحكم فيها، إذ أمسك بها أخو زوجها وقام الزوج بقطع أنفها وأذنيها بطريقة همجية بشعة، لقد أصبحت عائشة بشكلها الجديد والمنشور على غلاف المجلة الأميركية عنواناً بارزاً في العالم على ما تلاقيه المرأة المسلمة في أفغانستان والعالم الإسلامي من ظلم وهمجية، وهذا كله يتم باسم الإسلام والرؤى الضيقة لبعض التيارات والمدارس الإسلامية المتشددة، التي تفسر وتخلط بين الإسلام والعادات القبلية والاجتماعية في بعض المجتمعات الإسلامية. فمثلاً نجد في مجتمعاتنا بعض القضايا التي يتم التعامل معها من منظور إسلامي وهي في حقيقتها لها أبعادها الاجتماعية كعادات وأعراف، مثل قضايا تكافؤ النسب التي عايشنا بعض مآسيها في مجتمعنا، والتي وصل الوضع فيها الأمر بصدور أحكام قضائية فرقت بين الأزواج وزوجاتهم وشردت الأطفال وكل ذلك تم باسم الدين. نحن في مجتمعنا نجد الخوف أو ما يُسمى ب «اللوبيا» من المرأة منذ طفولتها، فهي تمثل الخطر والشر على المجتمع وكأنها أداة للشهوة والفساد الأخلاقي، أتذكر هذا وأنا أتابع بعض الوقائع التي تنشرها الصحف، التي لها علاقة بهذا الموضوع، فقبل أيام صرح أحد المسؤولين عن أحد المهرجانات بمنع لعب الأطفال البنات والأولاد الذين لم تتجاوز أعمارهم السنوات الست بالاختلاط والمشاركة باللعب، وقال إن ذلك خوفاً على البنات من خشونة الأولاد، وهذه الادعاءات هي في الحقيقة تدل على التفكير المتزمت والمتشكك من المرأة، فكيف بأطفال أعمارهم لم تتجاوز مرحلة الطفولة أن يكونوا خطراً على قريناتهم البنات؟ مثل هذه الثقافة لو استمرت وتم تعميمها على المجتمع فسوف تصل بالمرأة أن تكون عورة ويجب أن تبقى في الظلام وإن خرجت من بيتها فسيكون مصيرها هو واحد، كما حدث للفتاة الأفغانية ولو بأشكال متعددة على الأقل في الوقت الحاضر. في اعتقادي أن على المؤسسات الرسمية مسؤولية كبيرة في التصدي لمثل هذه الأفكار، وأن عدم التدخل سيرجعنا إلى الوراء في كل مرحلة يتم فيها تحقيق بعض التقدم في قضايا المرأة، ومثال آخر نشرت الصحف أخيراً موافقة وزارة الزراعة لدينا على طلب إحدى الجمعيات التعاونية الزراعية في إحدى المناطق على إنشاء مصنع للتمور في تلك المنطقة تعمل وتديره بالكامل نساء، في البدء يجب الاعتراف بأن مثل هذه الخطوات هي بالحقيقة مبادرات إيجابية لإيجاد أبواب رزق شريفة أمام النساء في مجتمعنا، ولكن في اعتقادي أن الفصل والعزل بين المرأة والرجل حال شاذة لم يمر بها أي مجتمع من قبل، فهل نحن بالفعل ماضون بإنشاء مجتمعين، أحدهما نسائي والآخر ذكوري، ولن أتحدث في الجانب الاقتصادي والضرر الذي يلحقه من الخسائر المادية الباهظة والتي قد يستفاد منها في أوجه اقتصادية ضرورية للمجتمع ككل، ولكن حال ومشروع الفصل في المجتمع له آثار نفسية واجتماعية على الكل، سواء الرجل والمرأة، فالتعامل مع المرأة بمراحل لاحقة في العمر دائماً يغلفها الشك وعدم الثقة، لأننا لم نتعامل مع المرأة بطريقة طبيعية والعكس كذلك، فإذا شاهدنا امرأة خارج الصورة النمطية السلبية في عقولنا فإننا نعتبر المرأة سيئة، ونحن دائماً لدينا قضية الخصوصية الممجوجة تجاه المرأة وأنها يجب أن تكون في إطار تلك الصورة، وعودة على عائشة الأفغانية المسكينة ضحية ثقافة التخلف والجهل المغلف بالقداسة الدينية، التي اعتقد أنها رمز قبيح سيبقي لدى الشعوب الاخرى على مكانة المرأة في بعض الدول الإسلامية ووضعها بالإسلام، على رغم أن ذلك غير صحيح، ولكن نجد الصمت المطبق على ما يحدث للآلاف مثل عائشة في الدول الإسلامية من حرق للوجوه بسبب عدم الالتزام بالمظهر الإسلامي، أو بسبب قتل بعض النساء في قضايا ما يُعرف بقضايا الشرف. لقد طرحت المجلة الأميركية تساؤلاً حول وضع المرأة في أفغانستان في حال رحيل القوات الأميركية، وهذا ابتزاز واستغلال من الغرب لقضية حقوق المرأة في منطقتنا، ولكن مثل هذا الوضع المخجل لحقوق المرأة هو من يعطي الآخرين الحق في التدخل في مجتمعاتنا، قليل من مؤسسات المجتمع المدني أو المؤسسات الرسمية تدافع وبشكل مستمر عن مثل هذه الحالات، فعائشة تنتظر في مكان سري في بلادها تمهيداً لنقلها إلى أميركا لمعالجتها جسدياً ونفسياً هناك، وأتمنى من كل قلبي أن يرجع إليها بعض جمالها الذي فقدته بطريقة بشعة، ستكون هناك ضيفة ونجمة في البرامج التلفزيونية تكشف للعالم لما وصلنا إليه في التعامل مع المرأة في ثقافتنا. [email protected]