زاحمت عائلة سعودية مكونة من 16 فرداً مئات المعتمرين الذين تكتظ بهم جنبات المسجد الحرام، إذ اتخذت نسوة العائلة ال 13 من الحرم العثماني مقراً لنومهن، بينما ينام الوالد وطفلاه في الجهة الشرقية المطلة على صحن الطواف، بعد أن طردوا بالقوة الجبرية من منزلهم في حي الجميزة بمكة المكرمة، إثر عجز رب الأسرة عن سداد مبلغ مالي اقترضه من أحد البنوك، بناء على حكم قضائي. وعلى رغم مشقة حياة العائلة التي حولت جنبات من المسجد الحرام إلى مأوى لها، إلا أن أفرادها لم يجدوا بداً من ذلك بعد طردهم من منزلهم، فيما أكدت حقوق الإنسان أنها تقود حراكاً بالتعاون مع عدد من الجهات الخيرية الحكومية والأهلية للنظر في معاناة العائلة، ومحاولة إيجاد آلية لحل أزمتها. واعتاد الطفلان أن يطلقا ساقيهما للريح في مشاوير متكررة داخل أروقة الحرم الشريف، لنقل الطلبات والأحاديث بين نساء العائلة ووالدهم، وغالباً ما يحدث ذلك قبيل وجبات الطعام التي تجتمع العائلة لتناولها داخل الساحات الخارجية لتوسعة خادم الحرمين الشريفين للمسجد الحرام. وتعود فصول الحادثة إلى نحو ربع قرن، حينما تملكت الشهامة رب الأسرة الثمانيني (رمضان ب)، وانبرى لإخراج أحد أقربائه المدينين من السجن بكفالة غرم وأداء، إلا أن عجز الاثنين عن سداد المبلغ خلال الفترة المحددة أدى إلى مضاعفته، خصوصاً بعد إضافة البنك للفوائد السنوية للمبلغ الأساسي. وفي منتصف عام 1406 زج برمضان داخل السجن بعد شكوى تقدم بها البنك للمطالبة بحقوقه المادية، فخسر وظيفته في إحدى القطاعات، وظل خلف القضبان حتى تدخل أحد فاعلي الخير وأعلن تكفله بسداد نصف المبلغ، وسط مطالبة البنك بالنصف الباقي، إلا أن رمضان عاد إلى أسرته وبدأ مشوار البحث عن عمل بعد أن تصور أن كابوس الديون الذي أرهقه وأضناه انتهى للأبد. وقبل أشهر أطل الكابوس مجدداً، بعد أن تقدم القسم القانوني في البنك بدعوى جديدة للمطالبة بكامل الحقوق المادية، بعد إضافة الفوائد السنوية للمبلغ المتبقي، وحينها انخرط المسن الثمانيني في دوامة اليأس مرة ثانية فبدأ يشرق تارة ويغرب أخرى بين أروقة المحاكم، متعللاً بضيق حيلته وتدهور حاله المادية، خصوصاً وأن معاشه التقاعدي البسيط لا يفي بتلبية أبسط متطلبات الحياة الأساسية لأسرته الكبيرة. وطالب رمضان بخفض الدين الذي لم يتسلمه من الأساس، وإعفائه من سداد الفوائد، إلا أن الجهات القضائية وأصدرت حكماً شرعياً يلزمه بسداد كامل المبالغ المترتبة عليه، واتبعته بحكم آخر يقضي بمصادرة منزله في حال عجزه عن سداد الاستحقاقات المالية لمصلحة البنك. ومنذ ثلاثة أيام أسودت الحياة في وجه عائلة الثمانيني رمضان، بعد أن دهمت قوة أمنية منزله وأخرجته وزوجته وبناته وطفليه من منزلهم بالقوة أمام مرأى ومسمع جيرانه، الذين تجمهروا لمشاهدة خروج أفراد العائلة ذارفين الدمع ومطلقين صيحات الاستغاثة والاسترحام. ولم تجد العائلة ملاذاً يؤويها تلك الليلة سوى منزل أحد الجيران الذي فتح أبواب منزله للأسرة، إلا أن حياء أفرادها الكثيرين دفعهم للانتقال إلى أروقة المسجد الحرام، خصوصاً في ظل عجزهم المادي عن استئجار منزل يؤويهم. وعلى رغم إشاحة الزمان وجهه عنهم، إلا أن الأمل لا يزال يحدو العائلة الكبيرة بالعودة إلى المنزل، ويمنّي أفرادها بأن تنبري جهة ما لإقناع البنك بقبول استقطاع مرتب الوالد التقاعدي «كاملاً» شريطة أن يستتروا خلف جدران منزلهم العتيقة. من جهة ثانية، أكد القانوني سيد محمد الشيخ أن الأحكام الصادرة من المحاكم العامة تحتكم إلى الرأي الشرعي، ومن المستحيل أن تعترف بالفوائد التي تطالب بها الكثير من البنوك جراء تأخر المتعاملين معها في سداد القروض المقدمة لهم، «بل ستحكم بسداد المبلغ المتفق عليه فقط والذي استلمه المستفيد من دون أي زيادات». وذكر أن الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها بعض البنوك التي تطالب المتعاملين معها بتقديم رهونات لبعض ممتلكاتهم تعتبر نافذة، تطل من خلالها البنوك على حقوقها المكتسبة، حيث تباع الممتلكات المرهونة تحت إشراف الجهات القضائية وتستوفى ديون البنوك وتعاد المبالغ المتبقية لصالح ملاكها. واستغرب القانوني الشيخ سجن رمضان عام 1406 في حال كان قد رهن بيته بالفعل للبنك، كما أن اعتراف القاضي بالفوائد التي طلبها البنك في حال صح ذلك يعتبر أمراً غريباً أيضاً.