انتقد اقتصاديون عدم وضوح الرؤية بالنسبة للمشاريع الاستثمارية الأجنبية في البلاد، خصوصاً في ما يتعلق بأثرها على المواطن، وقالوا إن الهدف الرئيس من جذب الاستثمارات الأجنبية هو إيجاد فرص وظيفية للمواطن، إضافة إلى الاستفادة من خبراتهم في المجالات كافة، ووصفوا الاستثمارات التي لا تخلق فرص عمل للمواطنين بأنها تنمية مبتورة. وأبدوا في حديثهم ل «الحياة» استغرابهم لأن الاستثمارات الأجنبية الهائلة التي دخلت البلاد لم تغير في واقع المواطن السعودي، إذ لم تتح فرص عمل جديدة للشبان السعوديين، على حد قولهم، وطالبوا الهيئة العامة للاستثمار السعودية بإعادة النظر في التسهيلات التي تقدمها للمستثمرين الأجانب بما يخدم تنمية المجتمع كافة، والاستفادة من تلك الاستثمارات بشكل ملموس في خلق فرص عمل ونقل التقنية الحديثة. وكان تقرير منظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (اونكتاد) الذي أعلن في الرياض أخيراً كشف عن تقدم المملكة من المركز ال 14 إلى المركز الثامن عالمياً في جذب الاستثمارات خلال العام الماضي، من خلال استقطاب نحو 133 بليون ريال. وقال رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية الاقتصادية الدكتور عبدالعزيز داغستاني إن «الاستثمارات الأجنبية لا تخلق فرص عمل للشبان السعوديين، فهي استثمارات يوضع بجانبها علامات استفهام عدة». وأضاف: «التنمية التي لا تخلق فرصاً وظيفية للمواطنين تعتبر تنمية مبتورة وناقصة، خصوصاً أن الهدف الرئيس من جذب الاستثمارات الأجنبية هو توفير فرص عمل». وأشار إلى أن الاستثمارات الأجنبية لا تعني نقل رؤوس أموال فقط، بل لابد من نقل التقنية الحديثة أيضاً، مشيراً إلى أن «الهيئة العامة للاستثمار لم تهتم باستحداث الوظائف للمواطن من خلال الاستثمارات الأجنبية، إذ انها ركزت فقط على مدى قدرتها على جذب تلك الأموال الأجنبية للسعودية». وشدد على أهمية خلق فرص وظيفية للمواطنين من خلال الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وقال: «إذا لم يسهم دخول المستثمر الأجنبي للسوق السعودية في خلق مجالات عمل للسعوديين والمساهمة في التنمية الاجتماعية لن يكون لهذه الاستثمارات أثر فعال، خصوصاً أن السعودية لديها رؤوس أموال وطنية تكفي للتنمية في الوقت الراهن». وعاد داغستاني ليؤكد أن «أرقام الاستثمارات الأجنبية المعلنة لا يُمكن التشكيك في صحتها، خصوصاً أنها أعلنت من جانب منظمة عالمية، وهذه الأموال دخلت في مشاريع عملاقة ضخمة وكبيرة، إضافة إلى أن ثلثها كان في استثمارات ثنائية، في حين أن الاستثمارات في المشاريع الصغيرة التي توفر فرص عمل لا تتجاوز 10 في المئة». أما رئيس مركز ارث للدراسات الاقتصادية الدكتور خالد الحارثي، فأشار إلى أن غالبية الاستثمارات الأجنبية التي دخلت السعودية هي استثمارات في مشاريع ضخمة، وقال: «المشاريع الضخمة في الغالب تستهلك أموالاً طائلة عند التأسيس، مثل المدن الصناعية والاقتصادية ما يتطلب سيولة كبيرة في مراحل التأسيس». وأضاف: «غالبية المشاريع التي تدخل فيها الاستثمارات الأجنبية في طور التأسيس حالياً، وهذا يفسر عدم الاستفادة منه ال133 بليون ريال التي استقطبتها المملكة حتى الآن». غير أن الحارثي استدرك بالقول: «الهدف الرئيس من الاستثمارات الأجنبية هو زيادة الحركة الاقتصادية، ومن ثم يؤثر إيجاباً في التنمية الاجتماعية، وزيادة الفرص الوظيفية للمواطنين». وزاد: «حتى الآن لا نلمس على أرض الواقع أن هذه الاستثمارات دخلت السعودية، خصوصاً أن التسهيلات المقدمة من الهيئة العامة للاستثمار للمستثمرين الأجانب استهدفت مشاريع عملاقة لا تستهدف توظيف السعوديين»، مطالباً هيئة الاستثمار بوضع ضوابط في عملية التوظيف وبنسب معينة تفرض على الشركات الأجنبية المستثمرة في السعودية. وأضاف أن المستثمر الأجنبي يحصل على تسهيلات كثيرة في السعودية، خصوصاً منحه تأشيرات استقطاب العمالة، وعدم مطالبته بنسب سعودة في مشاريعه، وهو ما لا يخدم التنمية في المجتمع، ولن يُستفاد من تلك الاستثمارات بشكل مباشر. من ناحيته، اعتبر أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور أسامة فيلالي أن دخول الاستثمارات الأجنبية من دون أن تخلق وظائف وطنية أمر سلبي على تنمية المجتمع، وقال: «لابد أن تتضمن بنود التسهيلات الممنوحة للمستثمر الأجنبي تحديد نسب العمالة السعودية في المشاريع، إذ من المؤسف أن تكون تلك المشاريع الاستثمارية الحديثة تعتمد على عمالة وافدة غير سعودية». وقال إن «الهدف الرئيس من جذب الاستثمارات الأجنبية هو أن يلمس المواطن السعودي أثرها، من خلال مكافحة التضخم وخفض الأسعار وزيادة وتطوير الخدمات وتوفير فرص العمل، وهذا لم نره على أرض الواقع».