الموافقة على تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء    351 مليار ريال تسهيلات المصارف وشركات التمويل للمنشآت    السعودية أمام محكمة العدل الدولية: إسرائيل تعتبر نفسها فوق القانون    وزير الخارجية يصل قطر في زيارة رسمية    وزير الصناعة الثروة المعدنية يبدأ زيارة رسمية إلى دولة الكويت    أولى رحلات مبادرة "طريق مكة" تغادر من تركيا إلى المدينة المنورة    للعام السابع.. استمرار تنفيذ مبادرة طريق مكة في 7 دول    أمير جازان يستقبل مدير فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة    القبض على (30) مخالفًا لنظام أمن الحدود لتهريبهم (600) كلجم من نبات القات المخدر    نوفو نورديسك ولايفيرا توقعان مذكرة تفاهم لتمكين إنتاج مستحضرات سيماغلوتايد الپپتيد-1    "هيئة تطوير حائل" تنضم رسمياً إلى الشبكة العالمية للمراصد الحضرية التابعة للأمم المتحدة    عبدالعزيز بن عيّاف: مبادرة سمو ولي العهد تؤكد الخطى الثابتة للقيادة بتحويل الأقوال إلى أفعال    محمد بن ناصر يتسلّم التقرير الختامي لفعاليات مهرجان "شتاء جازان 2025"    تجمع القصيم يفعّل برامج تحصينية شاملة استعدادًا لموسم الحج 1446ه    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس المحكمة العامة بالقطيف    أولى رحلات المستفيدين من مبادرة طريق مكة تغادر مطار حضرة شاه الدولي ببنجلاديش    محمد بن ناصر يرعى حفل تخريج الدفعة ال20 من طلبة جامعة جازان    وزير الاستثمار يلتقي قطاع الأعمال بغرفة الشرقية    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة "من جمهورية باكستان الإسلامية    الدكتور الربيعة لأعضاء مجلس اللوردات البريطاني: المملكة قدمت أكثر من 134 مليار دولار كمساعدات ل 172 دولة حول العالم    نجاح أول عملية زراعة كلى بمدينة الملك سعود الطبية    انطلاق برنامج "أخصائي الاتصال التنموي" لتعزيز قدرات القطاع غير الربحي    مدير مكتب صحيفة "الرأي" بجازان يحتفل بتخرج نجله مجاهد من قسم الهندسة الكيميائية بجامعة جازان    Saudi Signage & Labelling Expo يعود إلى الرياض لدعم الابتكار في سوق اللافتات في المملكة العربية السعودية البالغة قيمته 492 مليون دولار    "الصحة" تطلق المسح الصحي العالمي 2025    قوات الاحتلال تنفّذ عمليات هدم في رام الله والخليل    كشف النقاب عن مشروع «أرض التجارب لمستقبل النقل» في السعودية    الفريق الفتحاوي يواصل استعداداته لمواجهة الشباب.. وقوميز يعقد مؤتمرًا صحفيًا    رياح و امطار على عدة اجزاء من مناطق المملكة    المخزونات الغذائية والطبية تتناقص بشكل خطير في غزة    الهدد وصل منطقة جازان.. الأمانة العامة تعلن رسميًا عن الشوارع والأحياء التي تشملها خطة إزالة العشوائيات    النصر يتوج بكأس دوري أبطال آسيا الإلكترونية للنخبة 2025    المنتخب السعودي للخماسي الحديث يستعد لبطولة اتحاد غرب آسيا    الضيف وضيفه    نادي الثقبة لكرة قدم الصالات تحت 20 سنة إلى الدوري الممتاز    زواجات أملج .. أرواح تتلاقى    أمير المدينة يدشّن مرافق المتحف الدولي للسيرة النبوية    الأمير فيصل بن سلمان:"لجنة البحوث" تعزز توثيق التاريخ الوطني    في الجولة 31 من يلو.. نيوم لحسم اللقب.. والحزم للاقتراب من الوصافة    كلاسيكو نار في نصف نهائي نخبة آسيا للأبطال.. الأهلي والهلال.. قمة سعودية لحجز مقعد في المباراة الختامية    رافينيا: تلقيت عرضا مغريا من الدوري السعودي    بوتين يعلن هدنة مؤقتة في ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي    الانتخابات العراقية بين تعقيدات الخريطة وضغوط المال والسلاح    أمير مكة: دعم سخي يؤكد تلمس حاجات المواطن    توجّه دولي يضع نهاية لزمن الميليشيات.. عون:.. الجيش اللبناني وحده الضامن للحدود والقرار بيد الدولة    حكاية أطفال الأنابيب (2)    محافظ محايل يكرم العاملين والشركاء في مبادرة "أجاويد 3"    انطلاق ملتقى "عين على المستقبل" في نسخته الثانية    شذرات من الفلكلور العالمي يعرف بالفن    مكونات صحة سكانية ترفع الأعمار    مكتبة الملك عبدالعزيز تعقد ندوة "مؤلف وقارئ بين ثنايا الكتب"    تدشين 9 مسارات جديدة ضمن شبكة "حافلات المدينة"    الرياض تستضيف الاجتماع الدولي لمراكز التميز لمكافحة الإرهاب    أمير منطقة جازان يستقبل قائد قوة أمن المنشآت المعيّن حديثًا بالمنطقة    جامعة جدة تحتفي بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها وطالباتها    جامعة الأمير سلطان تطلق أول برنامج بكالوريوس في "اللغة والإعلام" لتهيئة قادة المستقبل في الإعلام الرقمي    السعودية تمتلك تجارب رائدة في تعزيز ممارسات الصيد    بتوجيه من ولي العهد.. إطلاق اسم "مطلب النفيسة" على أحد شوارع الرياض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حبر وملح - جربا: ليونة الحياة
نشر في الحياة يوم 05 - 08 - 2010

لئن كان «أوليس» قد شدّهُ حنينُ العودة الى جربا بعد أن تذوّق «لوتسها»، فإن زائر هذه الجزيرة التونسية يستلبسهُ حنينه اليها وهو لا يزال فيها مُستشعراً لحظة مغادرتها مرارة جدّه آدم حين غادر جنّته الى أرض سيُفسد فيها أبناؤه ويسفكون الدماء ويجعلونها أشبه بالجحيم.
في جربا تعيش شعور الانفصال عن كوكب موحش من كثرة الإسمنت والمعدن والفولاذ الذي يصير حمماً فوق رؤوس الشعوب المغلوبة. هنا في إمكانك أن تأخد قسطاً من النسيان لا فقط من الراحة والاسترخاء والتوحّد مع سماء مثقوبة بالنجوم وبحر يعانق يابسته برقّة وحنان. لكن كيف تنسى وأنت الآتي من جنوب بلادك الى جنوب هذي البلاد، مصحوباً بذاكرة مثخنة وقلب طافح، لأجل إحياء ذكرى مبدع استثنائي هو الشيخ إمام عيسى الذي لا تكمن قيمته الإبداعية فقط لجهة ما أعطاه من فن التمّرد والعصيان، بل أيضاً في الخصوصية الفنية التي حملتها موسيقاه وطريقته في الأداء والغناء بتلك النكهة الشعبية الطالعة من عمق الحارة المصرية المختزنة لمناجم من الآلام والآمال والسخرية المرّة من واقع الحال.
تأتي الى جربا لأجل ذكرى مبدع استثنائي هو الشيخ إمام عيسى، برفقة استثنائي آخر هو مرسيل خليفة وشابة تتلمّس طريق الغناء الراقي في زمن «هبوط» كثير من الغناء، هي نسرين حميدان، مسبوقين بالانحياز الى كل ما هو حقيقيّ وعميق، وبالالتزام لا بمعناه الإيديولوجي والسياسي، وهذا حقُ من يشاء، بل بمعناه الانساني الأكثر اتساعاً وشمولاً، وبالانتصار للإنسان أينما كان عبر احترام انسانيته ومخاطبة عقله ووعيه ووجدانه، خصوصاً حين تكون لغة التخاطب هي الموسيقى والشعر والغناء حيث يغدو المُرسل ملزماً حينها وملتزماً بالمساهمة في الارتقاء بمتلقيه الى أعلى والتحليق به ومعه في فضاءات النشوة. نشوة الحب والحرية التي يدركها كلّ من له جناحا تذوّق وإبداع.
لو لم تكن لموسيقى إمام وصوته أجنحة تهزم الريح، هل كانت أغنياته لتصل الى جنوب لبنان وجنوب تونس وكل جنوب حالم حتى لو كان شمالاً أو ما تبقى من جهات، وذلك يوم كان الوصول صعباً عصياً. وكانت «الكاسيتات» (تذكرون الكاسيت) تصل خلسة الى كل باحث عن فن خارج السائد والمألوف. ومن هنا ترتدي مبادرة مهرجان جربا أوليس لتكريم الشيخ إمام عيسى أهميتها، كونها تذهب عكس التيار وتجذّف عكس اتجاه الريح، ففي حين يحتل الفن الترفيهي والاستهلاكي كلّ المسامع والأبصار، يختار هذا المهرجان فناناً «هامشياً» لم تأخذ تجربتة حقها من النقد والإعلام للأسباب المعروفة إياها. وبهذا يُسجل نقطين: واحدة لأجل المحتفى به، والأخرى المُحتفي نفسه، اذ يقول بمبادرته تلك إن «جزيرة الأحلام» ليست فقط مطرحاً للسياحة والاستجمام على أهميتها، ولا مكاناً للنسيان، إنها امتدادٌ جميل لكل ما هو جميل في بلاد تمتدُ من الماء الى الماء، ومع ذلك تشعر بالعطش لكلّ ما يروي ظمأ الروح والوجدان.
في جربا حتى اليابسة تغدو أكثر ليونة وطراوة وترتدي أحياناً شكل الماء، ليست فقط لجهة عمارتها البيضاء المتقشفة المتشكّلة في هندستها على البساطة الباهرة، ولا فقط نخيلها وزيتونها المعمّر الذي أصله ثابت وفرعه مثمر بالزيت والبركة، بل أيضاً بوجود الناس البسطاء الطيبين أسوة بكل جنوب، وبأصدقاء مثل الحبيب بلعيد والحبيب جغام وهشام البيسي (الذي صار مرشداً جغرافياً لنا) وإشراق كورونا وسواهم كثر، وخصوصاً ظافر يوسف المبدع الذي يجعل كل مرة زيارتنا لتونس أكثر إمتاعاً ومؤانسة.
ما يجعل الأرض لينّة رغم ما عليها من قهر وظلم وقسوة، ليس فقط الأهل والأصدقاء وألفة المعشر والمكان، بل أولاً الإبداع الجمالي والفني الذي تحاول فيه يد المخلوق مشاركة يد الخالق. وهل كانت الحياة ممكنة بلا شعر وموسيقى وغناء وسواها من فنون الرقي والالتزام؟
ليست وحدها أجنحة الطائرة التي حملتنا من مطار الى مطار وصولاً الى جربا، بل أيضاً اجنحة الحب والحرية والالتزام.... بالانسان أينما كان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.