لا يكفي أن تبدي الولاياتالمتحدة آسفها على الصواريخ التي سقطت على إيلات (إسرائيل) والعقبة (الأردن)، فلم تقتل العدو (حتى لو سلمنا باستهداف المدنيين، وهو عمل مُدان)، ولكنها انصبت إرهاباً على مواطنين أردنيين عرب، كانوا يسعون لرزقهم في هذا الميناء الأردني. لا يكفي أن تبدي أميركا أسفها. من الممكن طرح غير سؤال عليها في هذا الحادث البشع. لنترك أسئلة السياسة المباشرة. لنفكر في إتجاه آخر. ليس جديداً القول ان الولاياتالمتحدة هي في القلب من الخلافات السياسية في العالم العربي. أنها النقطة الأكثر سخونة في النقاش عربياً، خصوصاً بين دعاة العقلانية والتنوير والتفاعل مع العالم وثقافاته وحضاراته من جهة، وبين خطاب التطرف الإسلاموي وأطرافه، وضمنها فئات منادية بحمل السلاح في وجه "الغرب". في الأردن، المسألة شديدة التشابك. ثمة شوارع تتعاطف مع مناهضي الغرب، ومناصبي العداء لأميركا. ويتزود الخطاب المتطرف الذي يخاطب تلك الشوارع (وغيرها)، بذرائع متنوعة. وفي الآونة الأخيرة، قدّمت الولاياتالمتحدة لهذا الخطاب ذريعة قوية، على طبق من ذهب. فقد سعت الحكومة الاردنية، التي تربطها علاقات دافئة مع الولاياتالمتحدة، لنيل ماتراه حقاً للاردن في التخصيب السلمي لليورانيوم كي يستخدم وقوداً في مفاعلات سلمية تستخرج طاقته لتحوّلها كهرباء. ورفض الأميركي طلب الصديق، على رغم ان الاتفاقات الدولية تسمح للأردن بالسعي لامتلاك طاقة ذرية سلمية، وعلى رغم حاجته الماسة للطاقة. رفض الأميركي طلب الحكومة التي لا تناصبه العداء، فحمل الأمر ذريعة حساسة لمناهضي أميركا ومُعاديها أردنياً وعربياً. وبسرعة، قفز الى النقاش المسألة النووية الشائكة في إيران وإسرائيل. وإذ يخدم الرفض الأميركي بقاء إسرائيل دولة نووية مفردة في المنطقة، فإنه يضرب عصباً مكشوفاً وحساساً في سياسات المنطقة وتوازناتها. وسرعان ما ربطت ألسنة التشدد الاسلاموي الرفض الأميركي، مع الإنكشاف العربي حيال التفرد بالقوة النووية إسرائيلياً، وكذلك بالملف النووي الإيراني. وبقول آخر، فُسّر الأمر على محمل عدم جدوى التعامل إيجابياً مع الولاياتالمتحدة، طالما أنها تصر على التفرّد الاسرائيلي نووياً، مع إضافة البُعد المرتبط بالملف النووي الإيراني. في هذا المعنى، خدم الرفض الأميركي للتوجه السلمي أردنياً في الطاقة النووية، خطاباً معادياً لها ولحلفائها وأصدقائها ومهادنيها ومسالميها في المنطقة العربية. لننتظر. ولنر.