تدفع الأوضاع الصعبة للمالية العامة في روسيا حكومة موسكو إلى بيع حصص في بعض من أكبر الشركات المملوكة لها في البلاد، في خطوة تنطوي على تخفيف نادر للقبضة الحديد التي تمسك بها الاقتصاد. ورحبت الأسواق بإعلان صدر عن وزارة المال الروسية في هذا الإطار وقدّر قيمة الحصص المقرر بيعها بنحو 29 بليون دولار، سيكون للأجانب فرصة المشاركة في شرائها. لكن فرص حصول تغيير فعلي في الإدارة الاقتصادية للحكومة المركزية تبقى ضئيلة. فحتى بعد اكتمال عمليات البيع المقررة، سيبقى الكرملين ممسكاً بالقطاعات الاقتصادية، خصوصاً قطاع الطاقة، ولو في شكل أقل بروزاً من قبل. وستحاول موسكو الترويج لعمليات التخصيص باعتبارها تجديداً لالتزامها اللفظي باللبرلة الاقتصادية. وستُخصَّص الأموال الناجمة عن عمليات البيع لملء الخزانة العامة التي أفرغها انهيار أسعار النفط خلال الأزمة الاقتصادية العالمية من ذروتها التي عرفتها قبيل الأزمة والتي اقتربت من 150 دولاراً للبرميل. تعاني روسيا من حالات عجز حادة تصيب موازنتها العامة وتكافح لمواجهة عجز يقدَّر بنحو 80 بليون دولار سيترتب بالنسبة إلى عام 2010 كله. ولسد العجز، ثمة خطة تنتظر موافقة الرجل القوي في روسيا، أي رئيس الوزراء فلاديمير بوتين، وتنص على بيع حصص أقلية في 10 شركات رئيسة إلى مستثمرين. وتنتشر الشركات في قطاعات المصارف والطاقة المائية والنقل والبنية التحتية للطاقة. واللافت أن لائحة الشركات تشمل "روسنفت"، أكبر شركة في روسيا لإنتاج النفط، و"ترانسنفت"، التي تدير أكبر شبكة لخطوط الأنابيب في العالم. تستجيب الخطوة ظاهرياً لدعوات داخلية وخارجية للإصلاح واللبرلة، فالاقتصاد الروسي يعتمد بإفراط على عائدات النفط، ووصفه الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف نفسه بأنه غير فاعل وغير تنافسي ومشوب بالفساد. لكن روسيا حررت في الماضي اقتصادها بالحد الأدنى المطلوب للحفاظ على السيطرة السياسية، ولم تُجرِ أي إصلاح تشريعي وفقاً لما يتطلبه الإصلاح الاقتصادي الحقيقي، خصوصاً وضع ضوابط دستورية لتدخل الدولة في الاقتصاد. ويُعتبَر التخصيص العتيد الأول من نوعه منذ مطلع تسعينات القرن العشرين، حين أفضى تخصيص عشوائي إلى بيع أصول في قطاعي النفط والمعادن بأسعار بخسة إلى مجموعة من رجال الأعمال من ذوي العلاقات السياسية المتينة والمعروفين اليوم باسم الأوليغارشية الروسية. واستعادت الحكومة خلال الولايتين الرئاسيتين لبوتين بعضاً من هذه الأصول. لكن بوتين ليس معادياً تماماً للثروات الخاصة، فهو يقصر هذا العداء على أصحاب الثروات الخاصة الذين لا يثق فيهم. وإذ لم يتبيّن بعد كيف ستُدار عملية التخصيص الجديدة، ليس مستبعداً أن تفضي إلى تعزيز ثروات السياسيين الآتين من مؤسسات أمنية والمعادين للغرب الداعمين لبوتين والمتحكمين بالمفاصل الأساسية للحكومة. ولا يُتوَقَّع أن يفضي التخصيص إلى قيام طبقة من حملة الأسهم ممن لهم مصلحة في الاستقرار الاقتصادي كما حصل خلال مرحلة التخصيص في بريطانيا في ظل رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر في ثمانينات القرن العشرين. بيد أن من المستبعد أيضاً أن تعيد موسكو ارتكاب أخطاء التخصيص في مطلع تسعينات القرن العشرين، فصحيح أن الفساد لا يزال مستشرياً في المؤسسات الحكومية الروسية، لكن الوضع ليس بالسوء الذي كان عليه قبل عقدين من الزمن.