يهاتفني من أجل مقعد جامعي لابنه الطموح، تارة أشعر أنه يشكو، وتارة تنتابه حال يأس على مستقبل ابنه الذي سبقه إخوته الكبار ملتحقين بكلية الطب، ولم يكن الابن الصغير أقل من أخويه حين حصل على تقدير «امتياز» بالمرحلة الثانوية، ولكنه لم يجد مقعداً صريحاً في جامعته الوحيدة بمدينته الحالمة. أعرف أن نسب القبول في الجامعات تتجاوز 90 في المئة من إجمالي خريجي الثانوية العامة، بحسب ما يعلن دائماً في السنوات الأخيرة، ولكن إذا كان الطالب الحاصل على تقدير ممتاز لم يجد له مقعداً واحداً بتخصص علمي في جامعته المفتوحة فهناك خطأ، وقد يخرج سؤال معترض في هذه اللحظة عن نوعية المقبولين وكيف تم قبولهم قبل أن أعرف كم عدد الكراسي الشاغرة في جامعاتنا؟! القبول المعلن عنه ومساحته ومقاعده المتوفرة تثبت أن هناك لغزاً لم يقدر على حله، وسراً مجهولاً لم يتنبه له بعض الراغبين في الالتحاق بالجامعة، خصوصاً أولئك الذين لا يعرفون أحداً أو فيتاميناً يمرر الأوراق من فوق أو تحت الطاولة، فيذهبون للمقعد الجامعي الفارغ لا المناسب للقدرات والإمكانات والجهد والطموح. قد تكون المشكلة المستترة في إعلان استيعاب الجامعات لأعداد هائلة من دون إيضاح أن شباباً من الذين تم استيعابهم ذهبوا للمكان الفارغ لا المناسب، وتختار لهم الجامعات ما يتوافق مع السعة التخزينية طمعاً في ارتفاع الرقم المعلن بختام اليوم الأخير من القبول، الرغبة والطموح عاملان أساسيان في طريق الشاب الجامعي، ومتى ما احترم هذان العاملان كان المنتج النهائي بعد سنوات الدراسة متوازناً معقولاً، لا قائمة انتظار طويلة من أجل شحذ مقعد وظيفي ثانٍ! إذا لم تكن الجامعات قادرة على استيعاب خريجي الثانوية وهم يغادرون مقاعدها بامتيازات صريحة، فمن تستوعب؟ والى أين تريد أن تذهب هذه العقول إن لم تتقاطع مع الكرسي الفارغ والتخصص المناسب الملائم، القبول يظل مشكلة سنوية تم فرملته في السنوات الأخيرة باختبارات القياس والقدرات، وهي التي احسبها مع احترامي - لفكرتها وسرعة تنفيذها – تشكيكاً في مراحل التعليم العام ال 12. أعود للأب وهو الذي يتحدث بحسرة لأنه متأكد من أن المقاعد الجامعية ليست بحجوزات مؤكدة ومنتظرة، إنما لنضع شروطاً صريحة غير قابلة للمرونة ومعها نجدول بدائل معقولة بكراسٍ تقترب من الطموح ولا تبتعد عنه، احترم المقاعد المحدودة واحترم شروط القبول، لكني أرأف بحال هؤلاء الشباب الذين بذلوا ما استطاعوا من جهد، ثم تعيدهم اختبارات التشكيك، ومعها تعود أحلامهم وطموحاتهم للوراء، فيجدوا أنفسهم في قوائم الشارع والمقهى والفراغ، نحن بالكاد نحسب من يملؤون هذه الأمكنة الثلاثة، ونترقب الناتج النهائي من بقائهم هناك والأيدي على القلوب. شباب يغادر مقاعد الثانوية بتخصص علمي فلا يجد المسار ذاته في الجامعة، وبمعدلات مرتفعة فتعجز كراسي الجامعة عن احتوائهم، وتبشرهم بأن هناك مقاعد تنتظرهم في تخصصات بعيدة عن رغباتهم ومنهج دراستهم، إذن من البداية لماذا نفتح لهم المسار العلمي، ونعلن قدرتنا على استيعابهم، أشعر أن المسألة معقدة أو بالأصح مُقْعَدَة تحتاج الى تأهيل من أوجه مختلفة، إذا كان الشاب المميز يعجز عن الالتحاق بتخصص علمي فندفع به إلى تخصصات أخرى لا يرغبها ولم يجتهد من أجلها، فماذا نتأمل أن يكون المستقبل الذي نعرف عنه كل شيء إلا أن نخطط له! [email protected]