يعيش الممثل جمال سليمان حال نشاط وسفر دائمين، بين باريس والقاهرة وبيروت وعواصم عربيّة وغربيّة مختلفة، يتنقل النجم السوري من أجل تصوير مشاهده في مسلسل «ذاكرة الجسد» المأخوذ عن رواية الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي، في سيناريو وحوار لريم حنا وإخراج لنجدة إسماعيل أنزور. في المسلسل يؤدي سليمان دور الرسام خالد بن طوبال الرجل الناضج الذي يعيش في باريس، بعدما هجر الجزائر إثر الثورة التي حرمته من ذراعه اليسرى، بينما يجسد الدور في مرحلة الشباب الممثل الشاب مجد رياض. وإن كان شهر رمضان شاهداً على ولادة مسلسل «ذاكرة الجسد»، الرواية الأكثر شهرة وجماهيريّة في السنوات الأخيرة، والتي تتحول إلى عمل درامي باللغة الفصحى، فإن في الأمر نوعاً من المخاطرة (على الأقل هذا ما يظنه جمال سليمان)، والذي يؤكد «أن ثمة مخاطرة»، مستدركاً بالقول: «إنما أعتقد أن الجمهور سيقدّر هذه المخاطرة لأنه سيتفهم أسبابها، وأولها طبيعة الرواية. فما كان موضع تقدير ومتابعة من القراء هو لغتها الرفيعة، أما تحويل اللغة إلى العامية فربما سيفقدها الكثير من قيمتها الأدبيّة. ثانياً، إذا حولناها إلى العاميّة، فأي لهجة سنعتمد؟ في هذه الحالة، علينا اعتماد اللهجة الجزائرية، لكن لا شك في أن اللغة العربية الفصحى هي أفضل للحفاظ على متانة الرواية، كي لا تؤطرنا لهجة معينة، ما يحول دون وصولها إلى جميع المشاهدين العرب». قلق ولا يخفي سليمان قلقه من تقديم المسلسل باللغة الفصحى التي تستخدم عادة في المسلسلات ذات الطابع التاريخي أو الفنتازي فيما «ذاكرة الجسد» ترصد حقبة مهمة من تاريخ الجزائر الحديث، ويضيف: «هذا الأمر يشكل مصدر قلق، ولكن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي تضمن وصولنا إلى كل الجمهور العربي، بخاصة أن لغتنا العربيّة جميلة، ولغة أحلام مستغانمي رائعة وسلسة في هذه الرواية، مع الحفاظ على بعض العبارات والكلمات باللهجة الجزائرية. وكلمة حق عن كاتبة السيناريو والحوار ريم حنا بأنها كانت مخلصة لطبيعة الرواية، كما أدخلت أحلام مستغانمي بعض الكلمات المتعارف عليها باللهجة الجزائريّة في صلب العمل الدرامي، وهذه العبارات مرتبطة بمنطقة المغرب العربي بعامة وبالجزائر بخاصة». خالد بن طوبال يكون مناضلاً قبل أن يستشهد مثله الأعلى سي طاهر. بعد ذلك، يطرأ تحول جذري على حياته، إذ نراه بعد ربع قرن حبيباً لحياة الشابة، بعدما كان يلاعب حياة الطفلة. فهل يعيش خالد مراهقة متأخرة؟ يجيب جمال: «لا يمكن وصفها بالمراهقة المتأخرة مطلقاً، بل هي قصة حب غريبة من نوعها. قصة حب ترتبط بالحنين إلى الماضي النقي وإلى الثورة. وعلى رغم الشقاء والعذاب والدمار والدماء، إلاّ أن الماضي كان فيه بعض النقاء. وهو يحن إلى لحظات الثورة والتمرد فيه، وإلى سي طاهر (والد حياة) الذي عشقه كل حياته وكان مثاله الأعلى». ويصف جمال هذه العلاقة الغريبة، بقوله: «هذه العلاقة هي ما جعل الرواية من أشهر الروايات العربيّة، هي قصة حب استثنائية، لا يمكنك اعتبارها نكوصاً نحو المراهقة. ولا أيضاً علاقة بنت العقل. خالد حتماً لم يستخدم عقله في علاقته مع هذه الفتاة التي كانت تشكل أشياء كثيرة بالنسبة اليه. هي امرأة وأكثر من امرأة، هي امرأة وطفلة، وتجمعه علاقة أيضاً مع كل الأهل، تمثل له أيضاً الجزائر التي تركها منذ زمن بعيد. هي امرأة من لحم ودم نعم، لكنها تتجاوز ذلك إلى مضامين رمزية بعضها يخص الجزائر وبعضها يخص خالد شخصياً. وبالتزامن مع انتهاء الثورة، بدأت مرحلة بناء الدولة، ومعها لن يكون له أي دور بعد الثورة، أي في مرحلة توزيع الغنائم، فينتقل ليعيش حياته في مكان آخر وبيئة مختلفة». لكن خالد يتحدث عن صديقه الشاعر الفلسطيني زياد طويلاً إلى حياة، ما دفعها إلى التعلق بزياد من حيث لا يدري، وهو ما يفسره (بطل العمل) بأنه «حينما يكون لديك صديق فأنت تحكي عنه بحب. حياة رأت فيه صورة عن والدها الذي لا تعرفه، وهي امرأة تجمع تناقضات كثيرة، تميل إلى الرجال الذين يشبهون والدها بثورتهم واستثنائية حياتهم، حتى صار الوالد صورة أسطورية. لكنها في النهاية تزوجت أحد رموز الفساد، حتى وإن بدأ حياته مناضلاً، فمصطفى مصطفى (جهاد الأندري) كان مناضلاً من الدرجة الثالثة، ثم صار رمزاً للفساد من الدرجة الأولى. هنا، نجد التناقض في حياة حياة وفي خياراتها... تعشق المناضلين وتتزوج بالفاسدين». رغبة جمال سليمان الذي يجسد خالد بن طوبال الرسام الناضج، لا يؤدي الشخصية نفسها في مرحلة الشباب تاركاً المهمة لمجد رياض. فلماذا لم يتمسك بتجسيد الدور كاملاً كما يفعل بعض الممثلين؟ يوضح: «فكرة أن يسند دور خالد بن طوبال إلى ممثلين اثنين، تمت بناء على رغبتي بل على إصراري. فممثل أصغر مني سناً سيكون أصلح للدور، وما يهمني هو نجاح العمل لا أن أكون موجوداً «من الجلدة إلى الجلدة»، علماً أنه يسعدني أن أكون بطلاً في الحلقات ال 30، إنما فليكن هذا في وقته ومناسبته بدل أن يتم على حساب العمل، لأنه لا ينبغي أن تطغى أنانية الممثل على المصلحة العامة، علماً أن هذا القرار اتخذ بعد كتابة 20 حلقة من المسلسل». وكون العمل يعتمد كثيراً على «الفلاش باك»، فإن خالد بن طوبال الشاب والكهل سيكونان موجودين في كل الحلقات تقريباً، ولم يحص سليمان عدد المشاهد إنما هو متقارب جداً، لكنه يستطرد: «مجد رياض الذي يؤدي دور خالد الشاب ممثل ممتاز وسيحبه الجمهور حتماً»، لافتاً إلى أن ما يميز هذا العمل الدرامي أن فيه ممثلين من جنسيات عربية مختلفة: «أنا جمال سليمان السوري أجسد شخصيّة خالد الجزائري، وظافر العابدين التونسي يؤدي دور زياد الفلسطيني، ومعنا ممثل قدير من العراق يؤدي شخصيّة سي طاهر الجزائري، ثم اللبناني جهاد الأندري يؤدي دور مصطفى الجزائري، ثم كاترين عشيقة خالد تؤديه اللبنانيّة تينا جرّوس، إضافة إلى ممثلين آخرين من سورية والجزائر وتونس ولبنان. وقد تعمد المخرج نجدة أنزور هذا التنويع، في عمل منقول عن رواية جزائرية ولها خصوصية جزائرية وتتحدث عن الجزائر». «أعتقد أن المشاهد خلال بضعة أيام سيتجاوز مرحلة الصدمة وسيقبل بالعمل كما هو ويُقبل على مشاهدته، حتى في السينما العالميّة حصل هذا التحدي، مع روايتي «ذهب مع الريح» و «الشيخ والبحر» وروايات غابرييل غارسيا ماركيز، إنما الرواية مختلفة لأنك مخرجها وعليك اختيار شخوصها وبيوتها وشوارعها».