شكَّل التراث السرياني الفكري أهمية كبيرة في ازدهار حضارة المنطقة، في القرون الثامن والتاسع والعاشر للميلاد. ولعب هذا التراث دوراً مهماً كحلقة وصل بين الحضارتين اليونانية والعربية، وذلك من خلال ترجمة التراث اليوناني إلى اللغة السريانية أولاً ثم إلى اللغة العربية، ما أدى إلى إثراء المكتبات بعددٍ هائل من المخطوطات السريانية في شتى العلوم. ومع تطور حركة الاستشراق الغربي، ازداد الاهتمام بالمخطوطات العربية والسريانية، وقام عدد كبير من المستشرقين بجمع وتدوين هذه المخطوطات وعمل فهارس لها في أنحاء العالم، والعمل على تحقيقها والتعليق عليها وترجمتها. وقد تناول بعض المستشرقين مخطوطات لغوية مثل مخطوطات يوسف الأهوازي (القرن السادس الميلادي)، عنانيشوع ويعقوب الرهاوي (القرن السابع الميلادي)، وحنين بن اسحق (القرن الثامن الميلادي) وإيليا برشينايا (القرن الحادي عشر) وسويروس برشقاقو وغريغوريوس أبي الفرج بن العبري (القرن الثالث عشر). ومع هذا الجهد الكبير، فهناك الكثير من المخطوطات التي ما زالت مجهولة وتحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة. ومن هنا تأتي أهمية هذا البحث الذي يقدم عملاً من الأعمال اللغوية المهمة التي وضعها ابن العبري، الذي يُعد من أهم العلماء السريان لما تركه من أعمال قيمة في مختلف المجالات. ويُسمى هذا العمل «المدخل»، وهو كتاب في قواعد اللغة السريانية، منظوم على الوزن السباعي، على نمط ألفية ابن مالك. وقد تعددت مخطوطات هذا العمل في أماكن شتى كبرلين، ودبلن، وفلورنسا، ودير مار بهنام في العراق وسوريا وغيرها، ونشره مارتن خطياً في فرنسا معتمداً على بعض المخطوطات منه. ومن ثم، فإن هذا البحث يسعى إلى تحقيق الأهداف التالية: - إبراز أهمية التراث السرياني في الفكر الإنساني. - إلقاء الضوء على واحد من أهم المخطوطات السريانية. - دراسة مغزى اهتمام الغرب بنشر مخطوطة «المدخل». - إجراء مقارنة دقيقة بين نسخة من المخطوطة الأصلية ونسخة مارتن المنشورة. - دراسة المنهج الذي اتبعه مارتن في نشر هذا المخطوط خطياً.