لا جرم أن الحديث عن التراث الغزالي المنشور حديثٌ ذو شجون. كيف لا وقد تولَّد من نشره من الاضطراب ما أفضى إلى فوضى بيبليوغرافية كبيرة، يعرف ذلك من له أدنى أنس واطلاع على تراث حجة الإسلام المنشور. وهنا أستعير الأسئلة نفسها، التي تقوم عليها بعض محاور هذا المؤتمر (النشر التراثي): هل كانت هناك خطةٌ متكاملةٌ لنشر ما نُشر وانتشر من تراث الغزالي؟ وعلى أية قاعدة كان يجرى - ولا يزال يجري - اختيار النصوص الغزالية للنشر؟ وهل أتمَّ النشرُ مهمةَ التعريف بتراث أبي حامد، ناهيك عن فهمه والإحاطة بحدوده، والسعي إلى تطويره، وتجاوزه من دون التجاوز عنه؟ وهل تفوق الأوروبيون على العرب والمسلمين في إحياء تراث الغزالي وضبطه؟ فعلى رغم أن الباحثين المحدثين قد جاؤوا في دراسات التراث الغزالي المنشور بجم غفير، فإنها تفتقر في غالبيتها إلى بحث وتحقيق، وتحتاج في مجملها إلى نظر وتدقيق. وبيان ذلك؛ أن طائفة من الذين عُنوا بتحقيق تراث الغزالي ونشره، ضيعوا الزمان في الاشتغال على تراثٍ معاذ الله أن يكون للغزالي، مثل كتاب «كيمياء السعادة» العربي. وطائفة ثانية لم تقصِّر في الطعن على تصانيفه والقدح فيها، بدعوى أنه شابها بآراء الفلاسفة، وأنه استحسن أشياء مبناها على ما لا حقيقة له. مع أن الغزالي لم يكتب شيئاً من ذلك. وطائفة ثالثة؛ وهم فئة من الناشرين؛ يوماً يستلون كتاباً من كتب «إحياء علوم الدين» فينشرونه مفرداً، فيحدث ذلك إيهاماً لدى القارئ بأنه كتاب برأسه. ويوماً ينشرون كتباً ينسبونها للغزالي مع أن بعض أكابر العلماء يصرحون بأنها ليست له. مثل كتاب «منهاج العابدين»... فقد ذكر محيي الدين بن عربي في كتاب «محاضرات الأبرار» في سياق حديثه عن أبي الحسن المسفر السبتي: أن لهذا الشيخ تصانيف منها «منهاج العابدين» الذي يعزى لأبي حامد الغزالي وليس له، وإنما هو من مصنفات الشيخ. فهل وهم ابن عربي، وأن الكتاب من تواليف أبي حامد، كما صرح بذلك غير واحد؟ أم ماذا؟ وكذلك كتاب «بداية الهداية» فإن الفقيه العز بن عبدالسلام، كان ينكر أن يكون هذا الكتاب له ويقول: هو تقول عليه. ونحوه كتاب «المضنون به على غير أهله»، فإن الشيخ أبا عمرو بن الصلاح كان يقول: «فأما كتاب «المضنون به على غير أهله» فمعاذ الله أن يكون له». فما هي الحقيقة؟ وفريق آخر يصر على نشر كتاب «معيار العلم» على أنه كتاب برأسه، مع أنه قسم من كتاب «تهافت الفلاسفة» على ما حققه الدكتور سليمان دنيا. فأين الصواب؟ ولماذا يمعن بعض الناشرين في نسبة بعض الكتب التي كتبها الغزالي بالفارسية وترجمها بعض تلاميذه إلى العربية، إلى الغزالي من غير بيان، مثل كتاب «التبر المسبوك في نصيحة الملوك»؟ ولماذا تنشر بعض كتب الغزالي بعناوين مختلفة؟ إلى غير ذلك من الأمور التي يحار فيها الفكر.