أبلغ الرئيس حسني مبارك الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بضرورة توافر ثلاث ركائز لإنجاح المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، هي ضرورة استنادها إلى مرجعيات واضحة، وأن تجرى وفق إطار زمني محدد، وأخيراً تهيئة الأجواء المواتية لإنجاحها عبر إجراءات لبناء الثقة، ما يتطلب توقف الجانب الإسرائيلي عن أي مواقف استفزازية تعرقل سير المفاوضات وتهدد بفشلها. وكان مبارك عقد جلسة محادثات ثنائية مع بيريز أمس في مقر رئاسة الجمهورية في القاهرة تناولت الجهود المبذولة لإحياء عملية السلام، وسبل الانتقال من المفاوضات غير المباشرة إلى مفاوضات مباشرة بهدف التوصل إلى حل الدولتين، وذلك استكمالاً للمشاورات التي أجراها مبارك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أخيراً. كما تناولت المحادثات نتائج اجتماع وزراء خارجية لجنة مبادرة السلام العربية الذي عقد في مقر الجامعة العربية الخميس الماضي، والذي فوّض عباس بدء مفاوضات مباشرة مع الإسرائيليين. وأعقب جلسة المحادثات الثنائية جلسة موسعة حضرها من الجانب المصري وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ورئيس الاستخبارات الوزير عمر سليمان، ومن الجانب الإسرائيلي سفير إسرائيل لدى القاهرة اسحق ليفانون والوفد المرافق لبيريز. وامتدت المحادثات على غداء عمل حضره أعضاء الوفدين. وصرح الناطق باسم رئاسة الجمهورية السفير سليمان عواد بأن استقبال مبارك لبيريز الذي جاء لمصر ثلاث مرات العام الماضي، يأتي في إطار الجهود المستمرة لكل الأطراف الإقليمية والدولية لإحياء عملية السلام والشروع في مفاوضات جادة تنتقل من التفاوض غير المباشر إلى التفاوض المباشر بعد تهيئة الأجواء المواتية التي تكفل نجاح هذه المفاوضات وتحقيق سلام طال انتظاره بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وقال عواد إن مشاورات مبارك مع بيريز التي استمرت ساعة ونصف الساعة تأتي لمتابعة الاتصالات التي أجراها مبارك أخيراً مع كل من نتانياهو، والرئيس محمود عباس، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والإدارة الأميركية، والهدف هو أن تظل عملية السلام جادة، وأن تكون المفاوضات في إطار زمني محدد وفق مرجعيات سلام واضحة. وأوضح عواد أن مبارك ركز في مشاوراته على أن هناك رغبة أكيدة في التوصل إلى سلام بإطلاق مفاوضات مباشرة بعد أن أعطت لجنة المتابعة العربية الضوء الأخضر للرئيس عباس للانتقال من التفاوض غير المباشر إلى المباشر. وأضاف أن مبارك شدد على ضرورة أن تكون هذه المفاوضات جادة ومستمرة وذات إطار زمني محدد ومرجعيات واضحة، إضافة الى ضرورة توفير الأجواء المواتية لإطلاق هذه العملية التفاوضية. وأشار عواد إلى أن هناك الكثير من الاستحقاقات على الأرض في إطار الإجراءات المطلوبة من إسرائيل من قبيل بناء الثقة في الضفة الغربية، مثل وقف الاقتحامات ورفع الحواجز وتسهيل انتقال المواطنين وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، وهناك أيضاً استحقاقات بناء الثقة المطلوبة في قطاع غزة مثل إنهاء حال الحصار الذي يسبب معاناة لأكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني، مطالباً الجانب الإسرائيلي بالتوقف عن أي مواقف استفزازية تعرقل سير المفاوضات وتهدد بفشلها. وقال عواد إن بيريز أكد لمبارك التزام إسرائيل والائتلاف الحاكم الحالي في إسرائيل برئاسة نتانياهو بالسلام، مؤكداً اتفاقه مع ما ذكره مبارك عن الركائز الثلاث المطلوبة في الوقت الحالي. ورداً على سؤال هل تناولت المحادثات بين مبارك وبيريز ضرورة وقف المستوطنات، قال عواد إن هذا الموضوع يدخل فى إطار إجراءات بناء الثقة المطلوبة، إذ أن الاستيطان كما ذكر مبارك مراراً وراء الأبواب المغلقة وفي خطاباته، يلتهم الأراضي الفلسطينية، والخوف الحقيقي هو ألا يتبقى للشعب الفلسطيني من الأرض ما يقيم عليها في المستقبل دولته المستقلة. ورداً على سؤال آخر إن كانت واشنطن ستتعامل بحيادية مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي خلال المفاوضات المباشرة إذا ما تم إطلاقها، قال عواد إن الرئيس باراك أوباما أكد مراراً منذ توليه منصبه التزامه عملية السلام، كما أكد في رسالته إلى مبارك أن هذا الالتزام لا حيدة عنه، ومواقف الإدارة الأميركية داعمة للانتقال إلى التفاوض المباشر. وأشار عواد إلى تجربة مصر في التفاوض المباشر، مؤكداً أن هذا التفاوض المباشر هو الطريق الصحيح، كي يجلس الجانبان مع بعضهما البعض ويتفاوضان في شأن النزاع في ما بينهما. وأوضح عواد أن هناك فرقاً بين تجربة مصر في التفاوض المباشر وبين التجربة الفلسطينية، فمصر عندما دخلت التفاوض المباشر وتوصلت إلى اتفاق «كامب ديفيد» ثم معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، دخلته صفاً واحداً، وتحدثت بصوت واحد وراء الرئيس الراحل أنور السادات الذي انتهج طريق السلام، ووقفت مصر معه شعباً وحكومة، معتبراً أن الوضع مختلف في ما يتعلق بالشعب الفلسطيني، فقياداته لا تتحدث بصوت واحد بسبب الانقسام المؤسف الراهن بين السلطة والفصائل، خصوصاً مع حركة «حماس». وأضاف: «أما في شأن حيادية واشنطن، فهذا متروك للزمن، ودعونا نرتقب مواقف الإدارة الأميركية، وأكتفي بأن أقول إن السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغين لو تركا لشأنهما في كمب ديفيد، لما كانا توصلا أبداً إلى اتفاق على الإطلاق، ونعلم أن الرئيس السادات أمر الوفد المصري آنذاك بحزم حقائبه، وهدّد ولوّح بمغادرة كامب ديفيد ومقاطعة المحادثات، ولولا تدخل الرئيس الأميركي جيمي كارتر لما توصل الجانبان المصري والإسرائيلي إلى اتفاق». وقال عواد رداً على سؤال إن كان موقف «حماس» سيمثل حجر عثرة أمام انطلاق المفاوضات المباشرة: «هذا الانقسام المؤسف لا يجعل المفاوض الفلسطيني يتحدث بصوت فلسطيني واحد، لكن إن استطاع الرئيس عباس بدعم عربي وإقليمي ودولي أن يتوصل إلى اتفاق سلام بعد مفاوضات جادة ومستمرة يستطيع أن يذهب به إلى شعبه ويقول هذا ما استطعت أن أحصل عليه، وإن كان هذا الاتفاق محققاً لاستحقاقات تمليها الشرعية الدولية وتنهي الاحتلال وتقيم الدولة الفلسطينية، فأعتقد أن الرئيس الفلسطيني سيحظى بتأييد كاسح من شعبه الذي طالت معاناته، ولن يستطيع أحد، سواء حماس أو غيرها، أن يقف أمام هذا التيار الجارف المتطلع للسلام، والمتطلع لحياة كريمة في دولة فلسطينية مستقلة». وعما إذا كان بيريز طرح موعداً محدداً لبدء المفاوضات المباشرة، قال عواد: «إنه لا يستطيع التكهن بموعد إطلاق التفاوض المباشر»، مشيراً إلى أن لجنة المبادرة العربية في اجتماعها الأخير أعطت الرئيس عباس الضوء الأخضر لتحديد موعد هذا التفاوض، وأن للرئيس الفلسطيني رؤيته في العناصر التي يجب أن تتوافر لخلق الأجواء المواتية لإطلاق هذه المفاوضات. وقال: «أي نزاع بين أي طرفين دوليين لا يُحل إلا بالتفاوض، والتفاوض بطبيعته مباشر، والجانب الفلسطيني لديه كل الحق، بسبب الظروف التي واكبت النكبة واحتلال الأرض». ورداً على سؤال عما يتردد عن فكرة انعقاد مؤتمر دولي للسلام، قال عواد: «إن هناك الكثير من الاطروحات، فما زال المؤتمر الذي دعت إليه روسيا مطروحاً، وأكدت روسيا حرصها على استضافته عند وصول التفاوض المباشر إلى محطة أساسية تشهد اختراقاً، خصوصاً في موضوع الحدود. كما نعتقد أن هناك أيضاً حديثاً مع الرئيس الفرنسي (نيكولا ساركوزي) باعتباره والرئيس مبارك رئيسين للاتحاد من أجل المتوسط، لعقد قمة في الخريف المقبل. وهناك الكثير من الأفكار في هذا الإطار، لكن ليس المهم هو عقد هذا المؤتمر أو ذاك، وإنما المهم أن يثبت الجانب الإسرائيلي حسن النية في إطلاق المفاوضات المباشرة وفق إطار زمني محدد، حتى لا تتم المفاوضات بغرض التفاوض، لكن بهدف الوصول إلى اتفاق سلام، وفي إطار زمني محدد لا يجعل من التفاوض عملية بلا نهاية، مشيراً إلى أن التزام الجانب الأميركي بالرعاية الكاملة لعملية السلام وتذليل ما يعترضها من عقبات، هو الآن على المحك.