تثير أزمة الكهرباء وضعف الخدمات الأخرى، مشاكل اجتماعية واقتصادية وتحديات على الصعد كافة تحاول الأوساط المعنية دراستها موضوعياً ومعرفة أسبابها، وإذا كانت تكمن في شح مخصصاتها في الموازنة، أو في قلة الكفاءة وضعف الإدارة أو في غياب البنية السياسية والاقتصادية والقانونية اللازمة. ويعزو المستشار الاقتصادي للحكومة العراقية كمال البصري في حديث الى «الحياة» أسباب الأزمة الى سببين، أولهما شح المياه في المحطات الكهرمائية حيث انخفض معدل الإنتاج خلال النصف الأول من عام 2008 بنسب تراوحت ما بين 24 و59 في المئة. وثانيهما ارتفاع الطلب على الكهرباء وارتفاع نسبة الإنفاق التشغيلي 80 في المئة على حساب الإنفاق الاستثماري. ويؤكد أن ما يصح على الكهرباء يصح أيضاً على الخدمات الأخرى. وبالنسبة للموازنة العامة يقول البصري إن الإيرادات النفطية فيها تشكل أكثر من 90 في المئة من الإيرادات العامة، ولا شك في أن ضعف القدرات الإنتاجية والتصديرية للنفط تشكل عقبة كبيرة أمام الإسراع في تنفيذ المشاريع الاقتصادية والخدمية، إضافة الى غياب الموارد المالية الأخرى بخاصة عوائد الرسوم الجمركية الذي يعد مشكلة كبرى نتيجة التلكؤ في تشريع قانون التعرفة الجمركية. وأوضح البصري أن تقديرات الإنفاق العام تساوي أكثر من 84 تريليون دينار عراقي (الدولار يساوي 1158 ديناراً)، خصص منها 60,980 تريليون للنفقات التشغيلية و23,352 تريليون للنفقات الاستثمارية، ما يعني أن نسبة النفقات التشغيلية والاستثمارية هي 72 في المئة و28 في المئة على التوالي. ولفت الى أن مشاريع الكهرباء مثلاً شكلت 18 في المئة من إجمالي تخصيصات المشاريع الاستثمارية، ورصد لها 4,083 تريليون دينار بينما كان المطلوب 7.150 تريليون دينار. ويتبين أن الفجوة الاستثمارية للعام الحالي تساوي 36 تريليون دينار، وأن هذا النقص الكبير اعتبر معيقاً لبرامج عمل الحكومة إذ يساهم في إطالة معاناة المواطن. وأكد البصري ضعف الإنفاق الاستثماري، والحاجة الى توافر استثمارات خارجية يعيقها غياب بيئة الاستثمار. وأشار الى أن الاستراتيجية الوطنية للتنمية التي أصدرتها وزارة التخطيط والتعاون الانمائي العراقية عام 2006، أفادت بأن النفقات الضرورية لإعادة الإعمار للفترة 2006 – 2010 تساوي 187 بليون دولار، وعند احتساب التخصيصات الاستثمارية الفعلية للفترة ذاتها (ومع افتراض أن التخصيصات الاستثمارية الكلية للعام الحالي هي 20 بليون دولار) يصبح مجموعها 66 بليون دولار أي أن نسبة العجز الاستثماري تعادل 65 في المئة، ما يستدعي البحث عن مصادر تمويل أخرى لرفع مستوى معيشة المواطن. وأوضح أن مقارنة بيئة الاستثمار في العراق مع مجموعة دول أخرى مثل مصر والأردن وإيران والمغرب وماليزيا وسنغافورة، وفق بيانات مسح أعدها البنك الدولي «دوينغ بيزنس» لعام 2008، تشير الى أن العراق يمثل نسبياً أصعب بيئة استثمارية.