تعددت أساليب التعامل مع الطفل وطرق تربيته، فهي تختلف باختلاف الأبوين، واختلاف ثقافتهما، ومدى تحملهما للمسؤولية، واختلاف الظروف المحيطة بهما، فكثيراً ما يقع الآباء في أخطاء التربية، وكثيراً ما يكون الأبناء هم ضحايا هذه الأخطاء التربوية، فيكون لها عواقب وخيمة على الطفل، ولربما تنمي لدى الطفل في صغره أفكاراً خاطئة تتحول في كبره إلى أسلوب وطريقة للتعامل مع الآخرين، ما ينجم عنها دمار لجيل كامل من الأبناء، إضافة إلى ضياع مستقبل يعتمد بشكل كلي على تطور هذا الجيل من الأبناء. من أكبر أخطاء التربية التي يقع فيها الكثير من الآباء في تربية أبنائهم هي العقوبة، فالطفل في مراحل تطوره ونموه لا يمر فقط بمراحل النمو الجسدي، بل أيضاً يمر بمراحل النمو العقلي، فهو لم يولد ذو بصيرة مُميزاً الخطأ من الصواب، إذاً لا بد أن يمر بهذه التجارب، سواء كانت خاطئة أم صائبة، حتى يستطيع أن يميز بينها في ما بعد، وذلك في ظل وجود إرشاد وتوجيه من الأهل، فالحكمة والمنطق تقتضيان عدم محاسبة الطفل حساباً عسيراً على خطأ ارتكبه، فلربما لم يكن يعرفه من قبل، أو لم يتم توجيهه من الأهل بضرورة تجنب هذا الخطأ، فهنا يقع الأهل بسوء تصرفهم في خطأ أكبر من خطأ الطفل نفسه من خلال معاقبته. ينبغي استغلال هذا الخطأ الذي وقع فيه الصبي في توجيهه وتحذيره من الوقوع فيه مجدداً مرة أخرى، وفي حال تكرر منه ذلك الخطأ يتم تحذيره وتهديده، فإن عاد وكرر ذلك الخطأ حينها يتوجب عقوبته، ولكن بعقوبة تلائم عمره وخطأه، ويكون الهدف من ورائها هو الألم المعنوي، وليس الألم والأذى الجسدي. للأسف نرى اليوم الكثير من الآباء، ممن ظلموا أبناءهم حين سلكوا معهم الضرب والعقوبة قبل التوجيه والنصيحة، فلربما بلغ بالبعض منهم الضرب إلى درجة الأذى الجسدي للطفل وذلك لأتفه الأسباب. فإذا كانت تلك هي طريقة العلاج لأبسط الأمور، فماذا لو وقع هذا الابن في أمر أكبر من ذلك؟ كيف سيتم معاقبته؟ إن اتباع هذا الأسلوب قد ينمي ذلك الطفل على العنف، إذ ينشأ لا يبالي، وقد يمارس ذلك العنف في تعامله مع أشقائه والأشخاص الآخرين، ولربما يكرر الخطأ أكثر من مرة، وربما يتطلع إلى خطأ أكبر منه، مادام علم بأن العقوبة واحدة على ما سيرتكبه، سواء كان جرمه كبيراً أو صغيراً، هذا وفي المقابل ليس في استطاعة الأهل فعل أكثر من ذلك، إذ استخدموا معه «الكي» كأول علاج، فماذا تركوا لآخره؟! ليس هذا فحسب، بل ربما يصل ذلك بالطفل إلى حال من الوفاة الشعورية، بمعنى أنه أصبح «بليداً بلا إحساس»، فحينها يكون الطفل قد بلغ مرحلة لن تجدي معه بعدها أي من أساليب التربية نفعاً. حينها فقط لا يكون بوسعنا سوى التقدم بأحر التعازي لهذين الأبوين بوفاة مستقبل ابنهما.