بحرارة وتواضع احتفلت ريو دي جانيرو بافتتاح دورة الألعاب الأولمبية ال31 فجر أمس، وأوقدت الشعلة في ستاد ماراكانا العملاق، التي امتزج لهيبها بتجهيز فني يحاكي الشمس لتبقى «مشعة» حتى يوم الاختتام في 21 الجاري، قبل تسليمها إلى طوكيو التي تستضيف نسخة 2020. استعراضات وألوان وصخب أنيق مزجت المفيد والرائع بأقل كلفة، واختصرت إتقان البرازيليين ل «ممارسة الفرح»، على رغم الأزمتين الاقتصادية والسياسية المتفاقمتين، واللتين بلغت أصداؤهما «الأسرة الأولمبية» من خلال تظاهرات الاحتجاج وحركاته المتنقّلة، ومنها واحدة على بعد 1.5 كيلومتر من الملعب طوقتها الشرطة، وهي ضمت 500 شخص ونددت ب «ألعاب الإقصاء» وبالرئيس الموقت ميشال تامر. كما احتشد حوالى 3 آلاف شخص قرب فندق «بالاس أوتيل» المترف على شاطئ كوباكابانا الشهير حيث يقطن عدد من الرياضيين، ورفعوا لافتات كتب عليها «لا للأولمبياد» محتجين على الوضع المعيشي في ظل ارتفاع مستويات البطالة، علماً أن الألعاب أوجدت 85 ألف فرصة عمل. غير أن الدعوة إلى الفرح والانشراح حملت رسائل بيئية معبّرة، إذ تضمّنت فقرات الاحتفال التي استعرضت في جزء منها «التاريخ والجغرافيا» مسألة مُلحة تعني البشرية جمعاء، هي مستقبل الكرة الأرضية وتداعيات الاحتباس الحراري، وأكّدت الدور الحاسم للبرازيل التي تضم الجزء الأكبر من غابة الأمازون. وكم كان مؤثراً الفيلم الوثائقي الذي بث ويحض على التشجير والاخضرار، وبعده تحوّلت المنصات التي ثبّت فيها أفراد البعثات التي سارت في طابور العرض (حوالى 10500 مشارك)، شتولاً وغرسات ستصبح المحمية الأولمبية، إلى حلقات أولمبية خمس خضراء مبهجة. والرسالة الموحية الثانية، جاءت بعد كلمة رئيس اللجنة المنظمة كارلوس نوزمان التي قوبلت بصافرات استهجان لدى ذكره الحكومة، إذ حيا رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الألماني توماس باخ البرازيليين «لأن شغفكم بالرياضة وحبكم للحياة مصدر إلهام لنا». ورحّب بفريق اللاجئين الذي «يبعث برسالة أمل ويرمز إلى روح التضامن الأولمبي في عالم تسيطر عليه الأنانية». وأعلن منح الجائزة المستحدثة (بطل الأبطال الأولمبيين) لتكريم شخصيات بارزة تضع الرياضة في خدمة الإنسانية، إلى الكيني كيبتشوغ كينو (76 سنة) الفائز بذهبيتي ال1500م في دورة مكسيكو عام 1968 وال3 آلاف م موانع في دورة ميونيخ 1972، وبعدما كرّس حياته لمساعدة أولاده وأطفال يتامى وتربيتهم». وافتتح كينو في عام 1999 مدرسة داخلية باسم «ميب كينو» في منطقة معزولة «من أجل أن يمنح أكثر من 300 طفل تتراوح أعمارهم بين 6 و13 سنة إمكانية التعلّم، وعدم السير يومياً لمسافة 16 كلم التي تفصلهم عن مدرستهم، وهي مُثل تعكس «الروح الأولمبية الحقيقية». والأمنيات الوردية التي جسّدت «التنوّع المشرق» قابلها الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس بإشادة بما تمثله بعثة بلاده المؤلفة من 555 شخصاً على هذا الصعيد، مذكّراً العالم بأن «الفريق الأميركي يحقق دائماً أعلى رصيد من الذهب، لأننا أمة نشأت بفعل المهاجرين وقوتها تنبع من التنوّع والوحدة»، مشيراً إلى أن الوفد إلى «ريو 2016» يضم «أكبر عدد من النساء في تاريخ الألعاب (292 رياضية). كما أن هناك عدداً من الرياضيين الذين هم تقريباً من عمري، وأحدهم ولد قبل عام من ولادة ابنتي الصغرى». كما فاخر بوجود لاعبة المبارزة المحجّبة إبتهاج محمد (30 سنة)، المسلمة من أصول أفريقية، ضمن بعثة «العم سام». و«في موسم مليء بالضغوط الساسية»، دعا أوباما إلى استغلال فرصة الألعاب «بغية التوحّد خلف علم بلادنا»، وإلى تثمين «المنافسة السلمية والروح الرياضية، وسنرى العناق والتعاطف والتفاهم بين المتنافسين الذين يعرفون أننا نتشارك في القيم الإنسانية». كما حيّا فريق اللاجئين قائلاً: «سنهتف لهم بحرارة». وبعث البابا فرنسيس رسالة إلى هذا الفريق، حضه فيها على توجيه «صرخة أخوة وسلام» إلى العالم. ونالت الولاياتالمتحدة أمس أولى ذهبيات الدورة من طريق فيرجينيا ثراشر (19 سنة)، إثر إحرازها لقب مسابقة بندقية الهواء المضغوط 10 أمتار، متفوّقة على الصينيتين دو لي بطلة «أثينا 2004»، ويي سيلينغ الفائزة في «لندن 2012». ويُنتظر أن يتجاوز الرصيد الأميركي من الذهب الألف ميدالية منذ بدء مشاركاتها الأولمبية، وهو رقم قياسي (بات رصيدها 978 ذهبية). واليوم يرتقب أن تخطف السباحة النيبالية غوريكا سينغ الأضواء وهي تخوض تصفيات سباق ال100م ظهراً، في حوض «ماريا لنيكه» في «بارا دي تيجوكا». وفضلاً عن كونها أصغر رياضية في الألعاب (13 سنة و255 يوماً)، لم تكن سينغ لتتواجد في ريو لو لم تقف القدرة الإلهية إلى جانبها، لأنها نجت بأعجوبة من الزلزال الذي ضرب بلادها في نيسان (أبريل) 2015 وتسبب بمقتل حوالى 9 آلاف شخص، حيث كانت تشارك في البطولة الوطنية بوجود والدتها غاريما وشقيقها الأصغر سورين. وكان لسينغ المقيمة في لندن حيث يعمل والدها باراس طبيباً، والتلميذة في مدرسة «هابرداشرز أسك»، دور في التخفيف من وطأة ما خلّفه الزلزال، إذ عيّنت سفيرة للنوايا الحسنة من جانب جمعية خيرية أسسها صديق والدها بهدف إعادة بناء المدارس التي دُمرت، وقد ساهمت على طريقتها بعد تبرّعها بمبلغ 200 جنيه إسترليني نالته نتيجة مشاركتها في تلك البطولة.