انعكس اليوم العربي الطويل والتاريخي في لبنان ارتياحاً سياسياً عاماً الى الجهود العربية لصون الاستقرار اللبناني حيال التأزم الذي شهدته الساحة الداخلية، لا سيما أن البيان الرئاسي اللبناني الذي صدر عن أعمال القمة الثلاثية السعودية – السورية – اللبنانية، عصر أمس أكد «أهمية استمرار دعم اتفاق الدوحة واستكمال تنفيذ اتفاق الطائف ومواصلة عمل هيئة الحوار الوطني والالتزام بعدم اللجوء الى العنف والاحتكام الى الشرعية والمؤسسات الدستورية وإلى حكومة الوحدة الوطنية لحل الخلافات». وإذ لاحظ العديد من الرسميين ان هذا الارتياح ظهر بوضوح على وجوه رؤساء الجمهورية ميشال سليمان، والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري، فإن الزيارة المشتركة لكل من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد لبيروت أمس لزهاء أربع ساعات بعد قمة ثنائية جمعتهما في دمشق، ولقاءاتهما في العاصمة اللبنانية انطوت على رسائل عدة بالغة الدلالة في شأن معالجة التشنج السياسي في لبنان على خلفية السجال الذي دار حول المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لكنها رسائل تعدت لبنان الى المنطقة، إذ حذرت القمة الثلاثية وفق البيان الرئاسي اللبناني من «الدسائس والمؤامرات التي تحاك لها لإرباكها بالفتن الطائفية والمذهبية والتي لن تكون أي دولة عربية بمنأى عن تداعياتها». وغادر الملك عبدالله والرئيس الاسد بيروت عصرا، قبيل وصول امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في زيارة رسمية للبنان تستمر ثلاثة ايام وتشمل جولة على عدد من قرى الجنوب. ووصل خادم الحرمين الشريفين مساء الى عمان حيث كان العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني في مقدم مستقبليه. وذلك في اطار جولته العربية التي شملت الى لبنان، كلا من مصر وسورية. وبعد مراسم استقبال رسمية في مطار ماركا العسكري اجرى خادم الحرمين والملك عبدالله الثاني جولة من المحادثات تركزت على العلاقات الثنائية والملفات الساخنة في المنطقة، خصوصا تطورات الملف الفلسطيني والوضع في لبنان. واقام عبدالله الثاني مأدبة عشاء تكريما لخادم الحرمين الذي يغادر عمان بعد ظهر اليوم. وفي عودة الى القمة الثلاثية في بيروت، وصف الرئيس الأسد نتائج لقائه مع العاهل السعودي والرئيس سليمان بأنها ممتازة. وتميزت القمة الثلاثية السعودية – السورية – اللبنانية غير المسبوقة في بيروت بتفرع اجتماعات عدة عنها عكست اهتمام كل من خادم الحرمين الشريفين والرئيس الأسد بالمساعي لمعالجة التأزم السياسي الحاصل على الساحة اللبنانية والخلاف على المحكمة الدولية بين «حزب الله» وحلفائه وبين قوى 14 آذار، والقلق من اهتزاز الاستقرار بسبب هذا التأزم. فبعد ان اجتمع الرؤساء الثلاثة لمدة نصف ساعة، في حضور الوفود التي رافقت الزعماء الثلاثة في المحادثات: رئيسا مجلسي النواب والوزراء اللبنانيين نبيه بري وسعد الحريري ووزير الخارجية علي الشامي، وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ومدير الاستخبارات السعودية الأمير مقرن بن عبدالعزيز ومستشار الملك الأمير عبدالعزيز بن عبدالله، ووزير الخارجية السوري وليد المعلم والمستشارة الرئاسية السورية بثينة شعبان، عُقدت خلوة بين الملك عبدالله والأسد وسليمان، لمدة ثلث ساعة أعقبتها خلوة بين الأسد وسليمان قبل ان ينضم الجميع الى مأدبة غداء أقامها الأخير على شرف ضيفيه العربيين في حضور أعضاء المجلس النيابي والحكومة، قاطعها نواب حزب الكتائب احتجاجاً على عدم دعوة رئيس الحزب الرئيس السابق أمين الجميل فيما حضرها نواب «القوات اللبنانية» على رغم استثناء رئيس حزب «القوات» سمير جعجع من الدعوات لأسباب تردد أنها تعود الى طلب المراسم السورية استبعاده عن الحضور هو والبطريرك الماروني نصر الله صفير، ما أدى الى استبعاد دعوة القادة الروحيين الى المأدبة. وتردد ان زوجة جعجع النائبة ستريدا جعجع صافحت الرئيس الأسد أثناء المأدبة. وأعقبت الغداء خلوة بين الرئيس الأسد والرئيس بري فيما توجه الملك السعودي الى منزل الرئيس الحريري (بيت الوسط) في سيارة الأخير الذي قادها بنفسه، حيث أعد له استقبال سياسي كان اللافت فيه ان رؤساء الحكومة السابقين عمر كرامي، نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة كانوا في مقدمته ونائب رئيس البرلمان فريد مكاري، إضافة الى رؤساء الطوائف الإسلامية والمسيحية أو ممثلين عنهم (مثل المطران بولس مطر البطريرك صفير) وكذلك جمعيات ومؤسسات إسلامية وبيروتية والأعضاء الجدد في المكتب السياسي لتيار «المستقبل» ومستشاري رئيس الحكومة. وأعقبت الاستقبال خلوة بين خادم الحرمين والحريري استمرت ثلث ساعة. واعتبرت اوساط مراقبة ان لزيارة خادم الحرمين لمنزل الحريري دلالات مهمة وتعبر عن تأييد سعودي للحكومة ولرئيسها ودوره. وكان الامير عبدالعزيز بن عبدالله مستشار خادم الحرمين التقى الحريري ليل اول من امس، بعيدا من الاضواء للبحث معه في التحضيرات لزيارة الملك ل «بيت الوسط» وللتمهيد للمحادثات القمة. ولاحظ العديد من النواب ان الرئيس الاسد والحريري بقيا طوال فترة مأدبة الغداء في دردشة متواصلة، فيما وقف الاخير والوزير المعلم والرئيس فؤاد السنيورة طويلا يتمازحون ويتحدثون بحميمية خلال انتظار انتهاء خلوة الزعماء الثلاثة. والتقى الوزير المعلم والمستشارة شعبان في القصر الرئاسي، وفداً من «حزب الله» ومن كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها بري، ضم رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد والنائبين حسن فضل الله ونوار الساحلي ومن كتلة بري النائب علي حسن خليل وقاسم هاشم (حزب البعث). وقالت مصادر نواب «حزب الله» وحركة «أمل» ل «الحياة» عن الاجتماع ان «الجانب السوري عبّر عن ارتياحه الى نتائج القمة، وعن ارتياح دمشق الى الدور الذي يؤديه الملك السعودي». وأضافت المصادر: «عكس الجانب السوري مناخاً جيداً وإيجابياً، لكنه لم يدخل في التفاصيل». وذكرت المصادر نفسها ان «الجميع يتحدث عن التهدئة واستيعاب التشنج بين الفرقاء اللبنانيين»، مشيرة الى ان «صوغ الموقف بناء على ما حصل في القمة سيُترك للأيام المقبلة». وبعد انتهاء خلوة الأسد ببري التي دامت ثلث ساعة عقد خلوة ثانية ولربع ساعة مع سليمان، قبل ان ينتقل وإياه الى المطار، الذي وصل إليه الملك السعودي بصحبة الحريري، قبل ان يغادر خادم الحرمين الى الأردن، والأسد الى دمشق. وكان سبق مجيء الملك عبدالله والأسد سوية زهاء الثانية والنصف بعد الظهر محادثات مكثفة سعودية - سورية أول من أمس في دمشق، تردد انه عُقدت خلالها جلسة ماراثونية ليل أول من أمس في حضور مستشار العاهل السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز. وعلمت «الحياة» ان نص البيان الختامي للقمة الثلاثية خضع لتعديلات بناء لملاحظات طرحها الرئيس الأسد وأن الوزير المعلم شارك بصوغ هذه التعديلات. ونص البيان الرئاسي اللبناني الذي صدر عصر أمس عن نتائج القمة الثلاثية السعودية – السورية – اللبنانية على الآتي: «عقد رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان وخادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عاهل المملكة العربية السعودية، وسيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد، رئيس الجمهورية العربية السورية، لقاء قمة في القصر الجمهوري في بعبدا يوم الجمعة الواقع فيه 30/7/2010. أجرى القادة مباحثات تناولت سبل تعزيز الوفاق الوطني والاستقرار الداخلي في لبنان وتحسين فرص النمو الاقتصادي والاجتماعي. نوّه القادة بالتطورات الإيجابية التي حصلت على الساحة اللبنانية منذ اتفاق الدوحة وأكدوا استمرار نهج التهدئة والحوار وتعزيز الوحدة الوطنية ودرء الأخطار الخارجية. وأعلنوا عن تضامنهم مع لبنان في مواجهة تهديدات إسرائيل وخروقاتها اليومية لسيادته واستقلاله وسعيها لزعزعة استقراره. أكد القادة على أهمية الاستمرار بدعم اتفاق الدوحة واستكمال تنفيذ اتفاق الطائف ومواصلة عمل هيئة الحوار الوطني والالتزام بعدم اللجوء الى العنف وتغليب مصلحة لبنان العليا على أي مصلحة فئوية، والاحتكام الى الشرعية والمؤسسات الدستورية وإلى حكومة الوحدة الوطنية لحل الخلافات. وأكد الزعيمان السوري والسعودي استمرار دعمهما للبنان ورئيسه لما هو في مصلحة اللبنانيين. استعرض القادة تطور الأوضاع على الصعيد الإقليمي وأكدوا ضرورة التضامن والوقوف صفاً واحداً لرفع التحديات التي تواجهها الدول العربية، وعلى رأسها التحدي الإسرائيلي الذي يتمثل باستمرار الاحتلال للأراضي العربية والممارسات التعسفية والإجرامية ضد الشعب الفلسطيني وحصار غزة، والسعي المدان لتهويد مدينة القدس، وكذلك مواجهة ما يحاك للمنطقة العربية من دسائس ومؤامرات لإرباكها بالفتن الطائفية والمذهبية، والتي لن تكون أي دولة عربية بمنأى عن تداعياتها، وهي التي تميز تاريخها بروح العيش المشترك. وأكدوا في هذا المجال ضرورة السعي بصورة حثيثة لإقامة سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، دون إبطاء، وضمن مهل محددة، على قاعدة قرارات الشرعية الدولية ومرجعية مدريد والمبادرة العربية للسلام في كل مندرجاتها». وعلى صعيد زيارة أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، أقيم له استقبال والوفد المرافق له عند وصوله الذي تأخر الى السابعة مساء بعد تأخر اجتماعات القمة الثلاثية. وأقام سليمان مأدبة عشاء على شرف الضيف القطري حضرها الرئيسان بري والحريري والوزراء والنواب وشخصيات. وخلال المأدبة، ألقى سليمان كلمة قال فيها: «كان للعلاقات الوثيقة والروابط المتينة التي تجمع شعبينا وبلدينا الشقيقين، التأثير الوازن في مراحل دقيقة من التاريخ القريب لوطننا، بخاصةً في مؤتمر الحوار الوطني اللبناني الذي عُقد في مدينة الدوحة في أيار (مايو) 2008 بمبادرة ورعاية كريمتين من سموّكم، وأدّى إلى انفراج الأزمة التي كانت جاثمة على صدر البلاد، إضافةً إلى العلاقة الشخصيّة القائمة بيننا»، مؤكداً أنّ «لفي هذه العلاقات ما يدفعنا دائماً إلى العمل المخلص والدؤوب للحفاظ عليها وتطويرها ووضعها في خدمة الأهداف الوطنيّة المشتركة وجعلها نموذجاً يحتذى». وأضاف: «تبدّى ذلك أكثر وضوحاً من خلال المحادثات التي أجريناها اليوم سويةً، بتوافق كامل، وقاربت نقاطاً حساسة تهم بلدينا في ما يطمحان إليه من استقرار سياسي وأمني واقتصادي ومن تقدّم ونموّ في شتّى المجالات. وقد لمست خلالها حرصكم الأخويّ، والتزامكم الثابت، بتعزيز أسس الوفاق الوطني في لبنان، كما كرّسها اتفاق الطائف وأكّد عليها اتفاق الدوحة، وبالتالي بتوطيد دعائم الاستقرار والنموّ في ربوعه». وتابع: «كما قاربت المحادثات ما يهمّ الوطن العربي والمجتمع الدولي الذي يجاهر بنواياه بالسعي لإقامة سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، كما يجاهر بمقاصده في محاربة الإرهاب واجتثاث أسبابه والعمل من أجل تحقيق التنمية المستدامة، على رغم التقاعس الواضح في العمل على توفير الظروف والوسائل المناسبة والضاغطة لتنفيذ قرارات الشرعيّة الدوليّة في هذا السبيل، في وجه تعنّت إسرائيل وممارساتها التعسفيّة والإجراميّة في غزة وفي الأراضي العربيّة المحتلة ومساعيها المدانة لتهويد مدينة القدس». وأكد «أهميّة الإبقاء على المبادرة العربيّة للسلام كمرجعيّة، وعلى ضرورة تطبيقها في كل مندرجاتها، دون إبطاء، وضمن مهل زمنيّة محددة». وأشار سليمان إلى أن «محادثاتنا لم يغب عنها موضوع الدور الأخوي، الجامع للإرادات والقلوب، والمساهم في إعادة البناء والإعمار، الذي تقوم به دولة قطر منذ زمن، أميراً ومسؤولين، وقد خبرناه وقدّرناه في كلّ آن، لاسيما إثر عدوان تموز 2006، واعتماد القرار 1701 حيث كانت لمبادرتكم العاجلة والشجاعة والكريمة تجاه لبنان، أعمق الأثر في نفوس اللبنانيين، إضافة إلى تناول محادثاتنا شأن التعاون الثنائي بين قطر ولبنان والتبادل التجاري والثقافي ووسائل ترفيعه وتنميته، خبراتٍ وإمكانات». وشكر سليمان لأمير قطر، باسم لبنان، «اهتمامكم المستمرّ بقضاياه وبأبنائه المقيمين في رحاب دولتكم العزيزة، الذين يشكّلون، مع جمهور القطريين الذين يفدون إلى لبنان للسياحة أو الاستثمار، جسر تواصل إنساني دائم ومتميّز بين بلدينا، ودعمكم الثابت، المادي والمعنوي، ومؤازرتكم الفاعلة للبنان في المحافل الإقليميّة والمنتديات الدوليّة لا سيما في وجه العدو الإسرائيلي الذي لا يتوانى عن تهديداته ضدّ لبنان وعن محاولات زرع الفتن بين عائلاته والتي نعمل دون كلل لدرئها عنه بالوحدة والشجاعة والحكمة برعايتكم ودعمكم المباشر والمشكور». ورد أمير قطر بكلمة أعرب فيها عن سعادته لوجوده في لبنان «هذا البلد الذي هو من أهم المواقع الحضارية العربية ونقطة ارتكاز في اتصال المنطقة العربية، وفضلاً عن مكانته بالنسبة للعرب فهو بالنسبة لقطر كان ملتقى لكل ما هو نبيل». كما أعرب عن سعادته ب «كل ما قابلناه هذا اليوم من ترحاب وحفاوة وكرم استقبال وضيافة، وكل ذلك تقليد نعرفه من شعب هذا البلد العزيز والكريم والذي نريده باستمرار أن يظل كذلك، وأن يظل حافظاً لكيانه محافظاً على وحدته حراً وسيداً في كل الظروف وتحت كل الضغوط وفي مواجهة كل القضايا المعقدة التي شاءت له أقداره وأقدار المنطقة أن يتحملها بشجاعة وكبرياء ووعي». وأضاف الشيخ حمد: «نعرف الكثير عن ظروف هذا الوطن العربي وعن طبيعة التحديات التي تواجهه، ما يدعونا الى التفكير فيه باستمرار والتفكير معه طول الوقت. وأسعدنا في لقاء الدوحة في مايو 2008 الذي أسس لوفاق لبناني نعتز به ونفخر باستمراره تحت ضغوط نعرف مدى قسوتها وشدتها، وإذا كان لي أن أضيف شيئاً فهو القول بأننا نتفهم حساسية هذه اللحظة التي تترافق فيها زيارتنا للبنان مع سحب تتجمع وندعو الله ان تمر بسلام، كما تترافق زيارتنا مع هذه الزيارة المشتركة لأخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، وأخي الرئيس بشار الأسد الى لبنان، ونحن إذ ننوه بهذه المساعي العربية الحميدة للإسهام في دعم لبنان وحفظه من الانزلاق الى وضع لا يستفيد منه غير أعدائه، فإننا نستحضر حرص خادم الحرمين الذي عهدناه منه على إصلاح شأن هذا البلد الطيب بخاصة، والشأن العربي بعامة». وتابع أمير قطر مخاطباً سليمان: «نريد أن نؤكد لكم دون الدخول في التفاصيل، أن موقفنا في طلب السلامة للبنان وفي التضامن معه ركن أساسي في سياستنا، ولا نتردد لحظة في جهد يطلب منا أو عمل يسند إلينا، وليس ذلك من باب الحرص على لبنان وحده ونحن حريصون عليه، لكنه أيضاً من باب الحرص على الأمة والأمل في مستقبل واعد لكل شعوبها بحيث تجد سبيلها مفتوحاً إلى آمالها الكبرى في كل مجالات الأمن والتنمية والرقي والازدهار».