أن تكون امرأة وترفع قضيتك إلى المحاكم الشرعية هذا ما سيعني المعاناة وذهاب العمر وأنت تترقب البت في قضية مصيرية بالنسبة إليك، هذا واقع النساء في محاكمنا، وإليك نماذج من معاناتهن: - امرأة ذات ال20 خريفاً ترفع قضية خلع ضد زوج ظالم متسلط لا تستطيع إدانة إدمانه وتركه للصلاة والاعتداء عليها، لأن لديه القدرة على الإتيان بشهادة من أحد أئمة المساجد الذي غاب عنه عظيم خطر الشهادة بكون (فلان) من المحافظين على الصلاة بل والجماعة في مسجده مع أنه لم يصل إلا فرضين أو ثلاثة لأخذ هذه الورقة التي تبرئ فسقه وتظهر عدالته، مما يجعل المغلوبة على أمرها تتنازل عن حقها في فسخ النكاح الذي قرره الشرع لأحد الزوجين عند وجود العيب الخلقي أو الخُلقي مع عدم التزامهما بدفع أي تعويضات إلى الخلع الذي يجعلها ترد مهره عليه مع ظلمه لها واعتدائه عليها، لعدم وجود آلية لإنصاف النساء اللاتي يكتوين بظلم فسقة الرجال ومحتاليهم، ومع تنازل المسكينة عن حقها في الفسخ إلى الخلع إلا أن قضيتها ستمتد إلى سنوات حتى يبت في أمرها مما يعني دخول بعض النساء إلى سن اليأس إن تأخرت في المطالبة، هذا ماذكرته لي إحداهن حين رفعت قضية الخلع وهي في الخامسة والثلاثين ولم تنله حتى تجاوزت الأربعين، مما يقلل فرصها في الارتباط بزوج آخر والإنجاب أيضاً. - بل إحدى المقربات التي طلقها زوجها بعد العقد وقبل الدخول، فأرادت الحصول على نصف المهر المسمى وهذا حقها الشرعي الذي قرّره الله في كتابه حين قال: «وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ» ولم تستطع الحصول عليه إلا بعد سنة ونصف السنة من المطالبات والمراجعات مع وجود الأدلة والإثباتات كافة، لكن تغيب المدعى عليه عن الجلسات وعدم الاكتراث بها كان سبباً رئيسياً في التأخير. - أن تشتكي إحدى النساء أخاها الذي طمع في ميراثها واستولى عليه، وصار له الفضل المزعوم في الإنفاق عليها وإعالتها مع أكله لحقها وغبنه لها، وتحاول أن ترفع القضية فيُشترط إحضار المحرم مع أن محرمها هو خصمها، وما عليها إلا أن تصبر حتى يقتص الله من الظالم إذا كانت قوانين البشر تعوق مرافعتها. - أن تثبت المرأة عضل وليها الأقرب وامتناعه عن تزويجها مع تقدمها في العمر، وسقوط ولايته في نكاحها هذا ما سيأخذ سنوات طويلة، ستجعل من المرأة ضحية للعاضل الذي تسكن في بيته دون وجود حماية لها. - أن يطلق الرجل زوجته بعد عشرين عاماً أو أكثر بعد أن تضخم رصيده وزادت ثروته وقضى على زهرة شبابها وطلقها لأسباب قد تكون وجيهة أو غير وجيهة، ثم تسأل القريب والبعيد كيما تستقل بمنزل هي وأولادها، دون إلزام لصاحب الأموال بأن يسكنها هي وولده في منزل يصلح لمثلها ومثله. - وإن كانت المطلقة ذات ولد فهذا ما سيعني الدخول في دائرة طويلة من المرافعات والجلسات، لأن السنوات ستمر دون أن ينفق الرجل على أولاده، مع عدم أخذ أي إجراء جزائي لعقوبة حبس النفقة وتأخيرها وإن تم الإلزام فلتعلم أن النفقة قد تتراوح مابين الخمسمائة والألف للولد الواحد، وسأترك التعليق لك على هذا المقدر. أضف إلى معاناة النساء في المحاكم لعدم وجود أماكن مخصصة تليق بهن، ولعدم إعطائها الوقت الكافي للحديث عن نفسها والتعبير عن مشكلتها، وإسكاتها بين الفينة والأخرى، ونظرة المجتمع القاتلة للمراجِعة لبيت العدالة. إن على وزارة العدل أن تدرس وضع المرأة في محاكمنا، وتسارع في تفعيل المادة 55 من نظام المرافعات الذي ينص على أنه «إذا غاب المدعى عليه عن الجلسة الأولى، يؤجل النظر في القضية إلى جلسة لاحقة يبلغ بها المدعى عليه، فإن غاب عن هذه الجلسة، أو غاب عن جلسة أخرى، من دون عذر تقبله المحكمة فتحكم المحكمة في القضية، ويعد حكمها في حق المدعى عليه غيابياً، ما لم يكن غيابه بعد قفل باب المرافعة في القضية، فيعد حينها الحكم حضورياً» ولا شك أن كثيراً من القضايا المعلقة في المحاكم ترجع إلى عدم التزام الخصوم أصحاب العلاقة بالقضايا المنظورة بحضور سير المحاكمات، وفي تفعيل الحكم الغيابي إسهام في التخفيف من هذه الظاهرة. أضف إلى المسارعة في تخصيص المحاكم، وإعطاء كثير من الاهتمام للمحاكم الأسرية لارتباطها بقضايا الأحوال الشخصية، وافتتاح الأقسام النسائية، وإيجاد نظام خاص بقضايا المرأة المُعاصرة وسن أنظمة تحدّ من التلاعب في حقوقها، وفوق هذا كله تربية الرجال على احترام حق المرأة الذي أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي، وحسنه الألباني: «اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة». داعية وأكاديمية سعودية.