تأخّرا كثيراً. راوول غونزاليس بلانكو وخوسيه ماريا غوتييريس (غوتي) طويا صفحة ريال مدريد، الأول بعد 16 موسماً في الفريق الأول، والثاني بعد 15 سنة. الوداع مؤلم، ومشجعو نادي العاصمة الإسبانية شهدوا رحيل راوول وغوتي خلال 24 ساعة فقط . قد يكون بعضهم ذرف دموعاً، لكن ثمة من انتظر تلك اللحظة منذ سنوات... راوول الذي حمل شارة الكابتن منذ رحيل فرناندو هييرو عام 2003، فَقَدَ بريقه منذ تلك السنة، تزامناً مع بداية مرحلة سقوط فريق ال"غالاغتيكوس"، ولم يعدْ ذاك اللاعب الذي يحسم المباريات لمصلحة ناديه. على العكس تماماً، شكّل راوول منذ ذلك الحين عبئاً على الفريق، إذ أصبح بطيئاً ودون مستوى زملائه، لكن الأهم أن بقاءه أساسياً أفشل مسيرة لاعبين آخرين، من بينهم البرازيليان جوليو بابتيستا وروبينيو والإنكليزي مايكل أوين، وكاد يطيح بالأرجنتيني غونزالو هيغوين، لولا موهبة الأخير وقدرته الخارقة على تحمّل الانتقادات ومواجهة الصعاب. وللمدربين الذين أشرفوا على ريال مدريد، دور جوهري في إطالة أمد هذه المهزلة، لجبنهم وتخاذلهم عن اتخاذ القرار بإبعاد راوول عن التشكيلة الأساسية، وإفساح المجال أمام لاعبين كانوا يستحقّون أكثر منه شغل المركز الذي احتله. ولم يكتفِ راوول بذلك، بل أدى دوراً مبالغاً فيه على الصعيد المؤسساتي، خصوصاً خلال عهد الرئيس السابق رامون كالديرون الذي حاول تعويض ضعفه وسياساته الخرقاء، بمنح اللاعب سلطة اتخاذ قرارات لم يكن يجب أن يحشر أنفه فيها، أو تمسّه شخصياً مثل محاولة التعاقد مع هداف فالنسيا سابقاً دافيد فيلا... انهمرت أفعل التفضيل على راوول، خلال وداعه الإثنين الماضي، فأكد رئيس النادي فلورنتينو بيريز أنه يمثّل "قيمه"، فيما اعتبره المدير العام الرياضي خورخي فالدانو الأعظم في تاريخ النادي، مع ألفريدو دي ستيفانو صانع مجد ريال مدريد. فالدانو الذي منح راوول فرصة اللعب مع الفريق الأول، عندما كان في ال17 من العمر، يظلم بذلك لاعبين تاريخيين آخرين، مثل الجناح الأسطوري فرنشيسكو خينتو أو الهدّاف المجري فيرينك بوشكاش أو المهاجم المكسيكي هوغو سانشيز، ناهيك عن خوسيه أنطونيو كاماتشو وخوسيه مارتينيز (بيرّي) وأمانسيو أمارو وخوان غوميز (خوانيتو)... وإذ قال راوول إن ريال مدريد كان "منزله"، متعهداً "العودة" إليه، تعالت أصوات منذ الآن، مثل إدواردو إيندا رئيس تحرير صحيفة "ماركا" الرياضية الصادرة في مدريد، تروّج لتعيينه مستقبلاً مدرباً للفريق، في "استنساخ" سخيف لتجربة جوسيب غوارديولا في برشلونة، بما يُخالف كل منطق، وبمعزل عن تبيان مدى قدرته على تولي هذه المهمة الشاقة. والصحافيون الكثر الممالئون لراوول، والذين لم يكفّوا يوماً عن التطبيل والتزمير له، لم يتردّدوا في طرح فكرة سحب القميص الرقم 7، تكريماً له، على رغم أن أي لاعب في ريال مدريد لم يحظَ بهذا الشرف، حتى دي ستيفانو الأعظم في تاريخ النادي! راوول الذي وصفه هييرو يوماً بأنه "فيراري"، حطّم أرقاماً قياسية كثيرة في النادي، وساهم في تحقيقه ألقاباً عدة، خصوصاً في الدوري الإسباني ودوري الأبطال الأوروبي، كما قدّم لمحات وسجّل أهدافاً لا تُنسى، منذ صعوده الصاروخي عام 1994، لكن الزمن لا يرحم أحداً، ولم يكن من حقه أن يعيق واجب النادي في ضخّ دم جديد في الفريق، خصوصاً بعد تراجع مستواه في شكل مخجل، ولا يليق بلاعب من طرازه. من هنا يثير رحيله مشاعر متضاربة، إذ اعتبره توماس رونسيرو في صحيفة "أس" الرياضية الصادرة في العاصمة الإسبانية، "يوم حداد"، لكن أحد أشهر المدوّنين المدريديين رأى فيه "أسعد يوم في حياته". وإذا كان راوول تميّز بمثابرته وإرادته الفولاذية ومهنيّته المطلقة، على رغم محدودية قدراته الفنية، فإن غوتي كان النقيض تماماً. غريب الأطوار وغير مهني، اهتم غوتي بمظهره الخارجي وخصلات شعره ولباسه والوشم على جسده وحياة الليل، أكثر من التدريب والحفاظ على لياقته البدنية، ناهيك عن سلوكه الصبياني أحياناً كثيرة في المباريات. وعلى رغم تفوّقه بأشواط على راوول الذي قال إنه بكى لدى متابعته وداع غوتي الأحد الماضي، بدّد الأخير موهبة كروية فذة، جسّدتها تمريراته الساحرة، بسبب طبعه غير المستقرّ وشخصيته المهزوزة، بحيث يتساءل مشجعون كيف أمكن للنادي تحمّل ممارساته وإبقاءه في صفوفه طيلة 24 سنة، مُذ كان في التاسعة من العمر... غوتي الذي وصفه سانتياغو سيغورولا في "ماركا" بأنه "الشاعر الأكثر إبهاراً الذي أنتجه ريال مدريد خلال عقود"، لم يكلّف نفسه عناء القيام بعملية نقد ذاتي، إذ أعلن رفضه "النظر إلى الوراء"، معتبراً أن "الوقت غير مناسب الآن للتفكير في ما أمكنني القيام به في شكل أفضل". اعتُبر راوول وغوتي رمزين لريال مدريد، كونهما خرجا من أكاديمية النادي ودافعا عن ألوانه سنوات طويلة، لكنهما كانا يرمزان أيضاً في الفترة الأخيرة، الى ماضٍ يَئِدُ المستقبل. إنها نهاية عهد "الحرس القديم"، وبداية حقبة جديدة... تأخرت كثيراً.