سادت المراوحة في المواقف السياسية من الأزمة السياسية التي نشبت في لبنان نتيجة الخلاف بين «حزب الله» وبعض حلفائه وبين قادة الأكثرية و «تيار المستقبل» على الموقف من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي هاجمها الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله وقادة المعارضة، واعتبرها رئيس الحكومة وحلفاؤه غير قابلة للمساومة لأنها موضوع إجماع اللبنانيين. وإذ ساهمت الزيارات المتوقعة لقادة عرب الى بيروت، وفي طليعتها زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في إطار جولة عربية تبدأ اليوم بمصر وتشمل سورية ولبنان والأردن، في ضبط التصعيد الذي بلغه السجال الذي شغل الساحة السياسية الداخلية، فإن مساعي التهدئة تواصلت وقالت مصادر سياسية مواكبة لها ان العديد من الأفكار طرح لتكريس التهدئة وإطلاق حوار جديد حول معالجة تداعيات صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية إذا كان سيتناول أفراداً من «حزب الله» ويتهمهم بالتورط في جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري. وذكرت هذه المصادر أن الأفكار أخذت تتوالى عند غير جهة من أجل إيجاد قنوات استثنائية لهذا الحوار، بالتزامن مع زيارة الملك السعودي بعد غد الجمعة، والتي تليها زيارة أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، وفي ظل بقاء احتمال تزامن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد مع زيارة خادم الحرمين الى العاصمة اللبنانية معلّقاً على اتصالات الساعات المقبلة، ووسط معلومات عن أن الموعد المبدئي لزيارته بيروت قد يكون في 3 آب (أغسطس) المقبل. وواصل رئيس الجمهورية ميشال سليمان أمس لقاءاته في إطار جهوده لضمان التهدئة وأبلغ زواره أنه لا تأكيد لديه لموعد زيارة الرئيس الأسد بيروت بعد، وأن تحرك القادة العرب في اتجاه لبنان هو فرصة في الوقت نفسه من أجل احتواء التوتر. وشدد سليمان على أن لبنان لن يستطيع مواجهة أي تحديات ستطرح عليه إلا إذا كان وضعه الداخلي متيناً، أو على الأقل يتمتع بحد أدنى من التهدئة وبالاعتماد على الحوار. وأضاف سليمان: «أحدثنا تقدماً خلال السنتين الماضيتين في معالجة أزماتنا وعمل الحكومة يتطور فلماذا نعيد الأمور الى الوراء بأيدينا خصوصاً أن إسرائيل قد تستفيد من خلافاتنا وفي وقت تعني الزيارات المتوقعة للبنان من قادة عرب أن القادة العرب يريدون دعم لبنان واستقراره؟». وذكر زوار سليمان أنه أبدى ارتياحه الى تطور العلاقة بين الرئيس الأسد والحريري. وقالت مصادر سياسية اطلعت على بعض الأفكار المطروحة لمعالجة الخلاف حول موضوع المحكمة، في ظل تراجع حدة التجاذب نتيجة جهود سليمان وسورية وقطر، أن من بين هذه الأفكار أن يعقد اجتماع بين الأسد ونصرالله والحريري، أو أن يرعى أحد الضيوف العرب الذين يتوقع زيارتهم لبنان مثل هذا اللقاء حيث تردد أن قطر أبدت استعدادها لذلك، إلا أن أياً من المصادر المعنية المتصلة بالفرقاء لم يؤكد هذه الأنباء ل «الحياة». لكن المصادر السياسية المطلعة على هذه الأفكار قالت ل «الحياة» إن من طرحوا هذه الأفكار توقفوا عند قول نصرالله في كلمته الأخيرة الأحد الماضي أنه ليس مستعداً للجلوس مع أي كان على قاعدة «أن ثمة من هو متهم منا ولإيجاد مخرج لذلك»، كموقف يحول دون ترتيب مثل هذا اللقاء. لكن أوساطاً أخرى أكدت ل «الحياة» أنه بغض النظر عن الأفكار المطروحة والمساعي العربية، فإن فكرة عقد اجتماع بين الحريري ونصرالله ومن دون حضور فريق ثالث مطروحة، خصوصاً أن الحريري ركز على الحوار والتهدئة في تصريحاته الأخيرة وأن جهات عدة نصحت نصرالله بتكثيف التواصل مع رئيس الحكومة لأن الحوار هو الذي يجنب لبنان الفتنة التي يحذر منها الحزب مهما كانت الاعتبارات. والتقى الحريري أمس أحد أركان المعارضة زعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية، في مقر الأخير في شمال لبنان وسط توقعات بأن يوسع اجتماعاته مع هؤلاء في المرحلة المقبلة. وإذ تكتمت مصادر المجتمعين على ما دار خلال اللقاء، قالت مصادر مطلعة ان زيارة الحريري لفرنجية مقررة منذ مدة رداً لزيارتين قام بهما زعيم المردة له، وتأتي في إطار قرار انفتاحه وحواره مع جميع الأطراف كرئيس لحكومة وحدة وطنية. وقالت مصادر شمالية أنهما اتفقا على التواصل الدائم لا سيما في هذه المرحلة الحرجة. وفيما واصل نصرالله في المقابل لقاءاته مع حلفائه أمس فاجتمع مع النائب السابق فيصل الداوود، شدد رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد على أن الأيام المقبلة ستُظهر أن المقاومة أكبر من أن يُشكّك بصدقيتها. ومساء أمس أصدرت كتلة «المستقبل» النيابية بعد اجتماعها برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة بياناً رحبت فيه باللقاءات العربية المرتقبة وبالزيارات الرئاسية العربية المتوقعة للبنان واعتبرت انها «ستسهم في تدعيم استقراره وتعزيز علاقاته العربية بما يحمي صيغته وكيانه في ظل هذه الأوضاع الصعبة التي تمر بها المنطقة». وجددت الكتلة تمسكها «بما أجمع عليه اللبنانيون في الحوار الوطني والبيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية في شأن تسليم أمر جلاء الحقيقة وتحقيق العدالة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري للمحكمة الخاصة بلبنان». ورأت الكتلة أن «التهجم على المحكمة واستباق أعمالها بالتحليل والتوقع والافتراض والاتهام يضر بالبلاد والاستقرار...».