وجد شبان وفتيات فلسطينيون في مهرجان عشتار الدولي لمسرح الشباب في نسخته الثالثة، فرصة للتعبير عن معاناتهم وقضاياهم ومشاكلهم، كأنهم يصرخون في شكل مرتقع وصاخب «يلا نغيّر هالعدسة»، وهو عنوان العرض الختامي الذي جمع خريجي مسرح من فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر، وما بين مسرحيين شباب من بلجيكا واليونان وألمانيا. وقدم الفلطسينيون من مسرح عشتار في رام اللهوغزة، ومسرح نعم في الخليل، ومسرح الحرية في جنين، مجموعة من المسرحيات التي تستند إلى روايات أو كتابات عربية وعالمية، وإسقاطها على الواقع الفلسطيني، من بينها مسرحية «المهرج» للسوري محمد الماغوط، وتتناول موضوع الفساد والمفسدين على الأرض، و «الموجودين في كل زمان ومكان»، حيث تدور أحداث المسرحية حول كاتب يشعر بمدى الظلم والطغيان الذي تمر به الدول العربية، معالج الاستبداد الممارس على الشعوب العربية، وضياع فلسطين، وبيع الأرض للأعداء. أما عرض «مروّح ع فلسطين»، فهو عمل يندرج في إطار مسرح الشارع، ومبني على قصص حقيقية تم اقتباسها من فلسطينيين في أماكن متفرقة تعاني من سياسات عنصرية من جانب الاحتلال كالأغوار الفلسطينية، والمناطق المحاذية لجدار الفصل العنصري، ومخيمات اللاجئين، وتجمعات البدو الفلسطينيين المهددين بالترحيل. أما «مونولوجات غزة»، فيقوم على قصص وشهادات كتبها طلاب مسرح عشتار في غزة عام 2010، إبان الهجوم الإسرائيلي على القطاع في عام 2009، وانطلقت هذه المونولوجات إلى العالم لتروي تجارب هؤلاء اليافعين والأطفال. ويقدم العمل بنسخته الحرفية المونولوجات التي كتبت بصيغتها النهائية ممسرحة عام 2014 بعد العدوان الأخير على قطاع غزة، معتمداً على لغة الجسد كتعبير عن المشاعر الداخلية والحالة الخارجية، وسبق أن عرضت في الكثير من دول العالم، إضافة إلى رام الله في العامين الأخيرين. كما تم تقديم عمل يتحدث عن المشاكل التي تعاني منها الفتيات الفلسطينيات على الصعيد المجتمعي حمل عنوان «الطريقة المضمونة للتخلص من البقع»، وهو العنوان الذي ضم لوحات مسرحية أخرى تتعلق بالحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وخصوصية البحر بالنسبة للشبان والفتيات على وجه الخصوص، هناك. وكان مدرج المحكمة العثمانية في البلدة القديمة لمدينة رام الله، وفي الحفل الختامي، مساء الثلثاء الماضي مسرحاً لأربع اسكتشات تفاوتت في مستوياتها، وإن كانت في جلها مستوحاة من حكايات عالمية ك «آليس في بلاد العجائب»، و «ليلى الحمراء»، حيث تم تحويرها لمحاكاة الواقع الفلسطيني المعيش تحت الاحتلال، وفي ظل الحواجز العسكرية والجدار، وحتى المآسي والأحداث الفلسطينية البارزة، ومن بينها النكبة، والانتفاضة، وغيرها. وكانت القدرات لافتة سواء بين الشباب الأجانب أو الفلسطينيين من خريجي المسرح وطلابه، ومن الجنسين، فالاسكتش الثاني كان مبهراً ومتفوقاً عن الأول والثالث، وحتى في الاسكتشات المشتركة كان هناك تميز نسبي للفنانين الأجانب، مع أن هذا لا يلغي إبداعات عشتار، ومميزة لبعض الفنانين والفنانات الفلسطينيين من الضفة وغزة. وجاء في رسالة خريجي مسرح عشتار الذين شارك وزير الثقافة الفلسطيني إيهاب بسيسو في حفل تخرجهم: «قضينا أربع سنوات في عشتار، تقرّبنا خلالها من المسرح أكثر، وكسرنا حاجز الخوف، وأصبحنا نشعر بأننا روح واحدة (نحن والمسرح). تعلمنا منذ البدايات أن المسرح هو الإحساس بالشخصية ومعرفة تفاصيلها بدقة، وليس تمثيل الشخصية بالطريقة السطحية. يقصمنا الكثير من الشخصيات، ما ساعدنا على معرفة ذواتنا والتعمق في تفاصيلنا أكثر». وأضافوا: ارتأينا هذا العام أن يكون عنوان مهرجاننا «يلا نغيّر هالعدسة»، بهدف تغيير نظرة المجتمع الاجتماعية والثقافية والسياسية للشباب، ونظرتنا كشباب إلى مجتعنا، وإلى المجتمعات الأخرى، من خلال ما حدث من تعارف إلى بعضنا بعضاً، وتبادل ومناقشة وجهات النظر والرؤى المتباينة كثقافات مختلفة، رافعين شعار «نؤمن بأحلامنا، وبأن المسرح أداة للتغيير والتثقيف والحوار». وقبل الاختتام، والعرض الرباعي الأبعاد (يلا نغيّر هالعدسة)، شدد بسيسو مجدداً على أهمية الثقافة كفعل مقاومة، وعلى الدور الريادي الذي يلعبه ويجب أن يلعبه الشباب الفلسطيني المبدع في المجالات الإبداعية كلها. ووصف بسيسو ما قدمه المسرحيون الشباب باللوحة الثقافية، وقال: «نحن في أمس الحاجة إلى مثل هذه المهرجانات لكي تصل رسالتنا إلى العالم ونحتفي بإبداعاتنا الشابة، والصوت الفلسطيني الذي يستطيع أن يصل من خلال الثقافة إلى أكثر من دولة حاملاً معه هموم شعبنا وتطلعاته إلى الحرية».