أوضحت دراسة حديثة أنه في ضوء التوقعات للبدء بتطبيق ضريبة القيمة المضافة VAT مطلع عام 2018 في السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، فإن الحاجة تبدو ماسة لدى قطاع الأعمال على اختلاف فئاته إلى تهيئة أنظمته المحاسبية والإدارية والتجارية والمعلوماتية، لاستيعاب التغيير الدراماتيكي الكبير الذي سيواجه الأسواق وقطاعات الأعمال. وقالت الدراسة التي أجرتها «كي بي إم جي» إن من أهم القطاعات التي قد تواجه تعقيدات تطبيقية جراء فرض ضريبة القيمة المضافة هو قطاع المصارف ومؤسسات التمويل، على رغم أن معظم دول العالم التي طبقت ضريبة القيمة المضافة أعفت الخدمات المصرفية من الخضوع لهذه الضريبة، لما يتضمنه إخضاعها من تعقيدات ومشكلات، أهمها مضاعفة نسبة التضخم، إذ من المتوقع أن تقوم المملكة وبقية دول الخليج بإعفاء الخدمات المصرفية من الضريبة على القيمة المضافة، إلا أن للخدمات المصرفية في هذه المنطقة خصوصية تتمثل في الخدمات المصرفية الإسلامية، ذلك أن المصارف العاملة في المملكة، سواء أكانت مصارف إسلامية أم تجارية، فإنها تمنح جميعاً قروضاً للأفراد ولقطاعات الأعمال بصيغ إسلامية عدة، لعل أهمها صيغتا المرابحة والتأجير التمويلي، وهاتان الصيغتان ولربما أي صيغة لقرض إسلامي إنما تنطوي على بيع لسلعة أو خدمة. إن جوهر ضريبة القيمة المضافة هو إخضاع أي عملية بيع أو استيراد لسلعة أو خدمة لهذه الضريبة ما لم ينص التشريع على إعفائها. ولفتت إلى أنه على رغم أن المملكة وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي لم تصدر تشريعاً لفرض الضريبة على القيمة المضافة حتى اليوم، إلا أنه يمكننا القول إن التشريع المتوقع لن يختلف من الناحية الجوهرية عن غيره من تشريعات ضريبة القيمة المضافة التي أصدرتها الدول الأخرى، وبالتالي فمن المتوقع أن يتم إعفاء الخدمات المصرفية بشكل عام من الضريبة على القيمة المضافة، لكن نصاً عاماً بإعفاء الخدمات المصرفية لن يغطي الخدمات المصرفية الإسلامية، كون هذه الخدمات - كما أسلفنا - تنطوي على شراء وبيع لسلع وخدمات، فما هي الحلول الممكنة لضمان عدم تأثر الخدمات المصرفية الإسلامية بهذه الضريبة بشكل غير عادل مقارنة بالخدمات المصرفية الأخرى؟ وتوقعت الدراسة سيناريوات عدة هي: السيناريو الأول، إعفاء مشتريات ومبيعات المصارف للسلع والخدمات من الضريبة على القيمة المضافة. هذا الحل يعني أن تكون السلعة أو الخدمة الممولة من خلال قرض إسلامي معفاة من الضريبة بشكل كلي عندما تكون مستوردة، ومعفاة بشكل جزئي عندما تكون مشتراة من السوق أو المورد المحلي، وهذا الحل ستكون فيه محاباة للسلعة والخدمة المستوردة على حساب مثيلاتها المحلية، وسيحرم المشتري (المقترض) من خصم الضريبة التي تكون تحملتها السلعة أو الخدمة عند شراء المصرف لها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وهي الأهم أن هذا الحل يخل بخاصية الحياد التي يتمتع بها نظام ضريبة القيمة المضافة، إذ ستكون السلعة أو الخدمة التي تشترى من خلال التمويل الإسلامي معفاة من الضريبة وخاضعة لها إذا اشتريت بطريقة أخرى. السيناريو الثاني، إعفاء مبيعات المصارف للسلع والخدمات من الضريبة على القيمة المضافة. إن هذا الحل مناسب في حال كان المقترض مستهلكاً نهائياً، وذلك في حالات قروض الأفراد وقروض الجهات التي لا تتضمن أعمالها مبيعات لسلع وخدمات خاضعة للضريبة على القيمة المضافة، أما إن لم يكن المقترض مستهلكاً نهائياً، أي أن الاقتراض كان لغايات الأعمال الخاضعة لضريبة القيمة المضافة، فإن معضلة كبيرة ستظهر وهي أن المقترض سيحرم من خصم ضريبة القيمة المضافة التي تحملتها السلعة أو الخدمة عند شراء المصرف لها، وبالتالي سترتفع كلفته بقدر هذه الضريبة، ما سيؤدي لعزوفه عن الاقتراض بالطريقة الإسلامية، ولربما يتجه إلى المصارف الأخرى. السيناريو الثالث، إخضاع مشتريات ومبيعات المصارف للسلع والخدمات للضريبة على القيمة المضافة بنسبة الصفر. هذا الحل سيخل بالغاية التي وُجد من أجلها نظام ضريبة القيمة المضافة، إذ ستكون السلعة أو الخدمة التي تشترى من خلال التمويل الإسلامي معفاة من الضريبة، بينما تخضع لها إذا اشتريت بطريقة أخرى، وبالتالي فمن ناحية أولى سيؤدي ذلك إلى خلل في حركة السوق، ولن تتحقق خاصية الحياد التي يتمتع بها نظام ضريبة القيمة المضافة، ومن ناحية أخرى فلن تحصل خزينة الدولة على الإيرادات المخطط لها والمتوقعة من تطبيق هذه الضريبة. السيناريو الرابع، إخضاع مبيعات المصارف للسلع والخدمات للضريبة على القيمة المضافة بنسبة الصفر. هذا الحل فيه المثالب نفسها التي تضمنها السيناريو السابق، إضافة إلى أنه سيضيف الكلفة الإدارية لتطبيق ضريبة القيمة المضافة إلى الكلف الأخرى التي تتحملها المصارف، كما ستتكون أرصدة ضريبة مستحقة لهذه المصارف لدى الإدارة الضريبية تحتم على المصارف السير بإجراءات معقدة للمطالبة بها وتحصيلها. السيناريو الخامس، إخضاع مبيعات المصارف من السلع والخدمات للضريبة على القيمة المضافة بالنسبة التي تخضع لها السلعة أو الخدمة عند شرائها من قبل المصارف وبذات قيمة الشراء مع إعفاء بقية قيمة البيع من الضريبة. هذا الحل يبدو الأكثر عدالة ومنطقية بين الحلول الأخرى السابق ذكرها، فالسلعة أو الخدمة تبقى خاضعة للضريبة بالقدر الذي تخضع له مثيلتها غير الممولة بتمويل إسلامي، فيما تظل خدمة التمويل معفاة من الخضوع للضريبة. يوفر هذا الحل للدولة حصولها على الإيراد الضريبي المتوقع من تطبيق نظام ضريبة القيمة المضافة من دون أن يؤثر أسلوب التمويل في ذلك، بل يحفظ لتطبيق هذه الضريبة خاصية الرقابة والحد من التهرب الضريبي التي يتمتع بها نظام ضريبة القيمة المضافة بطبيعته، فلا يستطيع بائع أو مشتري السلعة أو الخدمة الممولة من خلال المصارف الإسلامية إخفاءها. ويوفر هذا الحل للسوق حريتها وعدم تدخل تطبيق الضريبة في توجيه المستهلك من مصرف لآخر، وبالتالي يحفظ لهذا النظام الضريبي خاصية الحياد. كما لا يحرم هذا الحل متلقي خدمة التمويل من خصم الضريبة المدفوعة على مدخلات مبيعاته الخاضعة للضريبة. إن لهذا الحل سلبية تتمثل في الكلفة الإدارية لتطبيق ضريبة القيمة المضافة من المصارف، إلا أن قيمة هذه الكلفة ستكون ثابتة نوعاً ما، ولا تتأثر بزيادة حجم التمويلات، وبالتالي لن تكون كلفة مهمة، وتتضاءل أهميتها بارتفاع حجم التمويلات التي يقدمها المصرف. السيناريو السادس، المزج بين الحل في السيناريو الثاني والحل في السيناريو الخامس. هذا الحل يعني أن يتم تطبيق السيناريو الثاني، وهو إعفاء مبيعات المصارف للسلع والخدمات من الضريبة على القيمة المضافة عندما يكون صاحب التمويل مستهلكاً نهائياً غير مسجل في شبكة مكلفي الضريبة، وأن يتم تطبيق السيناريو الخامس عندما يكون صاحب التمويل شخصاً مسجلاً في الضريبة. يتمتع هذا الحل بالميزات التي يتمتع بها الحل في السيناريو الخامس، ويزيد عليها أنه يخفف الكلفة الإدارية لتطبيق الضريبة من هذه المصارف، إضافة إلى أنه يوفر مرونة أكبر في التعامل مع حال تمويل جهة تتمتع بإعفاء مشترياتها أو مبيعاتها من الضريبة على القيمة المضافة. يجدر الانتباه من المصارف إلى حقيقة أن الوقت بين إصدار قانون ضريبة القيمة المضافة والتشريعات والتعليمات المرتبطة به قد يكون قصيراً وغير كافٍ لأن تبدأ بتهيئة موظفيها وأنظمتها المحاسبية والإدارية والتجارية والمعلوماتية لاستيعاب تطبيق هذه الضريبة، لذلك ولكون نظام ضريبة القيمة المضافة عالمياً واختلافات تطبيقه من دولة لأخرى تكون طفيفة ولا تتعدى في معظم الأحيان نسب الضريبة وقوائم السلع والخدمات المعفاة من الضريبة، أو التي تخضع لنسب خاصة، فإن بالإمكان البدء فوراً بتثقيف وتدريب العاملين حول هذا النظام الضريبي وتهيئة أنظمة العمل بشكل مرن يستوعب التطبيق مهما اختلف التشريع عن الشكل القياسي لنظام ضريبة القيمة المضافة. كما يمكن لهذه التهيئة أن تكون بتحديد فرع من أفرع المصرف ليكون ريادياً في التطبيق، فتتم تهيئته أولاً، ثم عند صدور التشريع تُجرى التعديلات المناسبة، والتي تكون ضئيلة وقابلة للاستيعاب بشكل سريع من العاملين الذين سيكون لهم أن تعرّفوا على هذه الضريبة وعلى الأنظمة، ثم ينقل التطبيق للأفرع الأخرى.