نوقشت أخيراً رسالة ماجستير في قسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة الإسكندرية، في موضوع يتناول مرويات الصحابي أبي هريرة في المشيخة البغدادية للحافظ أبي طاهر السِّلَفي المتوفى سنة ست وسبعين وخمسمئة في الإسكندرية. وذلك من خلال الأجزاء الستة الأولى من المشيخة للباحثة بسمة إمام بشير مرزوق. استهلت الباحثة رسالتها بعرض مكانة السنّة النبوية، وأشارت إلى أنها من أشرف العلوم نفعاً وخدمة لكتاب الله تعالى، إذ إنها مفصلة ومبينة لكتابه جل وعلا، فهي من كلام خير سيد الأمة، فهو لا ينطق عن الهوى، {إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحَىٰ}، فكلامه فيه بلاغة وفصاحة ما أوتيت لبشر، لأنه من وحي رب العالمين. واعتنت بالكلام فيها جماعة من الحفاظ قديماً وحديثاً كالحاكم والخطيب، ومن قبلهما من الأئمة ومن بعدهما من حفاظ الأمة. ومن هؤلاء الحفاظ الإمام الحافظ المعمَّر المُحَدِّث الناقد أبو طاهر السِّلَفي، فكان هذا سبباً أساسياً في اختيار الحافظ السِّلَفي، بخاصة أنه من العلماء الناقدين، فيكون بذلك قد جمع بين علو الإسناد وغلو الانتقاد، وكان من حفاظ عصره، لا سيما أن «الحافظ السلفي» لم يلقَ اهتماماً من جانب الباحثين، على رغم أنه كان شيخ عصره آنذاك. التقى الحافظ السِّلَفي بالكثير من مشاهير عصره في الحديث والفقه والتفسير والأدب وغيرها من أنماط العلم، فلم يكن محدثاً فقط، بل كان يقرض الشعر أيضاً. أما بالنسبة إلى أسباب اختيار الباحثة كتابَ المشيخة البغدادية دون جميع مؤلفاته، فلأسباب أولها أن كتاب المشيخة البغدادية يعد من أضخم الكتب التي ألفها الحافظ السِّلَفي، وفيه مادة غزيرة من الأحاديث النبوية الشريفة، وثانيها أن الكتاب لم يحظ بعناية الباحثين في الشكل الأكاديمي الشامل. وباعتبار الحافظ السِّلَفي ناقداً من نقاد عصره في علم الحديث، منقحاً له، إضافة إلى علو إسناده، اختارت الباحثة مرويات الصحابي الجليل أبي هريرة، ودرستها دراسة نقدية تحليلية في الأجزاء الستة الأولى. هذا بالنسبة إلى الحافظ السلفي ومشيخته. أما بالنسبة إلى اختيار الباحثة مرويات أبي هريرة صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المشيخة، فلأنه من الصحابة المكثرين روايةً عن الرسول، حيث زادت مروياته عنه عن ثلاثمئة حديث في كتب الحديث، وكذا في المشيخة، إذ بلغت مرويات الصحابي في المشيخة نحو مئتين وأربعين حديثاً، ولكثرة رواية أبي هريرة عن النبي، وقلة ملازمته الرسول كما يرون انهالت عليه الافتراءات، فأرادت الباحثة أن تذُبَّ عنه بعض ما قيل فيه. واعتمدت الباحثة الدراسة النقدية التحليلية لرجال الحديث، سواء كان السند متصلاً بدءاً من الحافظ السِّلَفي أي من شيوخه إلى النبي، أو مبتدئاً من بعد شيوخ الحافظ السِّلَفي إلى النبي، فنظرت في رواة الحديث من حيث ضبطهم وعدالتهم، وكذا اتصال السند، فإن لم تجد ما يقلل من عدالتهم أو ضبطهم لم تطل النظر في حالهم، أما إذا وجد ما يخل بشيء منهما أطالت النظر فيهم، وفي آراء المحدثين، محاولةً قدر المستطاع تقريب آراء النقاد، لا سيما أن آراءهم في بعض الأحوال تكون غير متفقة، بسبب اختلاف المصطلحات الحديثية، ومن ثم تختلف مدلولاتها من عصر إلى آخر، لذا وجدت الباحثة صعوبة في جمع آراء المُحَدِّثين من المتقدمين والمتأخرين، ولم تكتفِ بالنظر في الإسناد فقط، بل نظرت أيضاً في متن الحديث، لأنه قد يكون السند صحيحاً، لكن متنه مخالف للقرآن الكريم وصحيح السنّة النبوية. أما الدراسة التحليلية في الدراسة فتقصد بها الباحثة دراسة صيغ الأداء وطرق التحمل التي يتحمل بها الراوي الحديث، ومن ثم يرويه، وليست كلها بدرجات متساوية، فالسماع والقراءة من الدرجة نفسها تقريباً، وهما أعلى أقسام التحمل عند الجماهير، تليهما: الإجازة، ثم المناولة، ثم الكتابة، ثم الإعلام، ثم الوصية، ثم الوجادة. وبعد النظر في سند الحديث ونقده، أنظر في متنه مع مقارنته بمتن الكتب الستة: وهي على الترتيب: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، والنسائي، ثم جامع الترمذي، وأخيراً سنن ابن ماجة، مستعينة بالمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، وبرنامج المكتبة الشاملة، فإن وافق سندهم سند الحافظ السِّلَفي اكتفت الباحثة بهم، مع النظر إلى حكم الحديث، فإذا كان السند والمتن نفسيهما عند الإمامين البخاري ومسلم أصبح الحديث صحيحاً بلا خلاف، أما إذا وجد عند الأربعة فتنظر الباحثة لحكم العلامة محمد ناصر الدين الألباني، إذ إنها اعتمدت على طبعته، فأي حكم يقوله الألباني تسلّم به الباحثة، إلا إذا اختلفت الأحكام فتذكر آراء العلماء جميعهم، وترجح في نهاية الأمر الحكمَ المجمعَ عليه. أما إذا لم يكن سند الحافظ السلفي موافقاً لسند الأئمة الستة فتعتمد الباحثة على مسند الإمام أحمد باعتباره سابع الكتب، فإذا لم تجد الباحثة الحديث في الكتب السبعة تنظر في سنن الدارمي وابن حبان تارةً، وفي كتب الأمالي تارةً، وكتب التواريخ تارة ثالثةً، وغيرها من الكتب التي ذكرت الحديث، خصوصاً بسند الحافظ السلفي نفسه. ورمزت الباحثة لصحيح البخاري ب «خ»، وصحيح مسلم ب «م»، وسنن أبي داود ب «د»، وسنن النسائي ب «ن»، وجامع الترمذي ب «ت»، وسنن ابن ماجة ب «ق». وإذا روت لراوٍ الجماعةُ رمزت إلى هذا ب «ع». ورتبت أبواب البحث على حسب طبيعة المسلم، فالمسلم في بداية حياته عليه أن يهتم بالعبادات، والمعاملات، فإذا واظب على عباداته، انعكس هذا بطبيعة الحال على أخلاقه ومعاملاته، وإذا اجتمعت العبادات، والمعاملات في نفس المسلم، يزيد هذا بالطبع من إيمانه. وقسمت الباحثة رسالتها إلى تمهيد، وبابين، وأربعة فصول، وخمسة مباحث، وخاتمة. أما التمهيد ففيه ثلاثة مباحث: الأول: الصحابي أبو هريرة، تناولت فيه سيرته، وحياته، ومروياته، وملازمته رسول الله. والثاني: الحافظ أبو طاهر السِّلَفي، تحدثت فيه عن مولده، وحياته، ورحلاته، ومؤلفاته. والثالث: المشيخات، تحدثت فيه عن نظام المشيخات، ثم منهج الحافظ السلفي الذي اتبعه في مشيخته، ثم ختمته بذكر بعض شيوخ الحافظ السلفي. أما الباب الأول العبادات، ففيه الأحاديث التي ذكرها الحافظ السلفي في الأجزاء الستة الأولى، وفيه فصلان: الأول: الصوم. والثاني: الصلاة. وتحدثت فيه عن أحاديث الطهارة والصلاة، ولم تفرد الباحثة لأحاديث الطهارة فصلاً خاصاً وذلك لقلة الأحاديث في الأجزاء الستة الأولى من المشيخة، ووضعتها في فصل الصلاة، لأن الطهارة تعد من مقدمات الصلاة، فلا تصح صلاة من دونها. ولم تتطرق إلى العبادات الأخرى، كالحج، والزكاة، وغيرهما، لأن الأجزاء التي تناولتها في المشيخة، لم تتحدث إلا عن الصوم والطهارة. وتناول الباب الثاني: المعاملات، وفيه الأحاديث التي ذُكرت في المشيخة، والتي ترتبط بالأخلاق، والآداب، وهو يتضمن فصلين: الفصل الأول: الآداب، وقسمته إلى مبحثين: الأول: الأخلاق، وفيه الأحاديث التي تدعو إلى الأخلاق الحميدة، وتنهى عن الأخلاق الذميمة. والثاني: الأحوال الشخصية، كالنكاح والطلاق والخلع والبيع وغيرها، لكنها لم تتطرق إلى معظمها، لأن المشيخة لم تتضمنها في الأجزاء الستة. وتناول الفصل الثاني: الإيمان، وقسمته إلى ثلاثة مباحث: الأول: التوبة. فلولا التوبة ما نشأ الإيمان في القلب. والثاني: الدعاء، فالدعاء سبب أساسي من أسباب تقوية الإيمان. والثالث: العلم، فالعلماء هم أكثر البشر فهمًا لمقاصد الله تعالى، وأكثرهم خشية، حيث قال تعالى: {إِنَّمَا يَخشَى 0للهَ مِن عِبَادِهِ العلماء}. كل ذلك من خلال دراسة حديثية محضة، فلم تتحدث الباحثة عن الجوانب الفقهية في الأحاديث. واختتمت البحث بالنتائج والتوصيات التي توصلت إليها، وذيلته بالفهارس. والرسالة في مجملها تقدم طرحاً أكاديمياً وعلمياً لأرقى العلوم وأجلها، وهو علم الحديث النبوي الذي حمله رجال مخلصون، يدرون حجم الأمانة وعظمتها.