هل تلافت وزارة التعليم العالي الأخطاء التي كانت تحدث في البعثات السابقة عند البدء في المرحلة السادسة من الابتعاث أمس؟ وهل تتعامل الملحقيات الثقافية مع المبتعثين كما يجب؟ وهل سيقود المبتعثون الذين أرسلتهم الدولة لنهل العلم من أصقاع الأرض انقلاباً فكرياً عند عودتهم إلى أرض الوطن؟ وهل هيأت وزارة العمل فرص عمل مناسبة لتخصصات المبتعثين؟ أسئلة طرحتها ندوة نظمتها جريدة «الحياة» في مقرّها على كل من وكيل وزارة التعليم العالي لشؤون البعثات الدكتور عبدالله الموسى، وعضو مجلس الشورى سابقاً الكاتب الصحافي الدكتور خليل الخليل، وكيل وزارة العمل المساعد لتوظيف السعوديين أحمد الحميدان. الموسى أكد أن وزارة التعليم العالي استنفرت جهودها كافة كي تسير المرحلة السادسة من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي التي بدأت أمس بكل نجاح، معترفاً «بوجود أخطاء نسعى بكل جهد لحلها وتجاوزها حتى أن الوزارة تجتهد في قضية الخصوصية». وأشار إلى أن المتقدمين للمرحلة السادسة من الابتعاث سيوزعون على أكثر من 20 تخصصاً للدراسة في 16 دولة، وذلك في جميع مراحل التعليم العالي التي شملت البكالوريوس (الطب والعلوم الطبية) والماجستير والدكتوراه والزمالة الطبية. وكشف عن تعثر 4000 طالب أكاديمياً من أصل 90 ألف طالب مبتعث، وتوقيف بعثات 1722 طالباً وطالبة بشكل نهائي عقب ارتكابهم مخالفات وإنذارهم أكثر من مرة، معتبراً أن 95 في المئة من المبتعثين راضون عن برنامج الابتعاث. وأكد الموسى عدم صحة ما يثار عن أن الطلاب المبتعثين سيسهمون في حال انقلاب فكري على المجتمع: «لم نسجل حتى الآن أي حال فكرية خاطئة، بل ولا حتى قضية جنائية والأهم من هذا الطرح هو أن يعود الطلاب المبتعثون بالأهداف العلمية التي بعثوا من أجلها». من جهته، طالب عضو مجلس الشورى سابقاً الدكتور خليل الخليل وزارة التعليم العالي بمنح الملحقيات الثقافية الصلاحيات كاملة لإدارة شؤون الطلاب المبتعثين وتجنب العمل المركزي. وذكر وكيل وزارة العمل أن وزارته غير قلقة من عودة الطلاب إلى أرض الوطن كونها لا تعاني شحاً من الوظائف، لافتاً إلى أن برنامج الابتعاث سيكون دليلاً قاطعاً وردّاً قوياً على اتهامات القطاع الخاص للشاب السعودي دوماً بأنه غير مؤهل. «تقويم تجربة الابتعاث» سألت «الحياة» وكيل وزارة التعليم العالي لشؤون البعثات الدكتور عبدالله الموسى عن تقويم الوزارة لتجربة برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث خلال المراحل الخمس الماضية، فأجاب: «المرحلة الأولى كانت مخصصة للولايات المتحدة الأميركية، وجرى التوسع في البرنامج بعد موافقة المقام السامي وإطلاق البرامج المتتالية حتى وصل ابتعاث الطلاب السعوديين حالياً إلى 20 دولة مختلفة ومتنوعة بعلومها ونشاطاتها، وكان الهدف الحقيقي من ذلك البرنامج ليس العلم فقط، وإنما التوسع حتى في التبادل المعرفي والثقافي بين المملكة والشعوب والدول الأخرى، كون المملكة ليست مرتبطة بالغرب فقط بل لها ثقلها في الشرق أيضاً». وأضاف أن بين 8 و10 آلاف طالب كانوا ضمن المرحلة الأولى من الابتعاث، وكان أمام الوزارة خياران، الأول أن تبتعث مجموعة من الطلاب وتوفر الإمكانات كافة لهم، والثاني منح الفرصة للطلاب بأعداد كبيرة بإمكانات قابلة للتطوير، مشيراً إلى أن الوزارة أخذت هذا الخيار ولمست بعدها أن البرنامج تطور إلى الأفضل بناءً على النتائج، حتى وصل الأمر إلى أن دولاً طلبت الاستفادة من تجربة السعودية في الابتعاث. وتابع: «في نيوزلندا على سبيل المثال سجل مواطنون نيوزلنديون بحثاً دراسياً عن مشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث والنجاح الذي تحقق فيه، وأستطيع أن أقول أن المملكة أصبحت تملك التجربة المميزة الآن في الابتعاث». وأشار إلى أن البرنامج مرّ بمحطات ومشكلات طبيعية، إذ كانت البرامج الأولى سريعة في أدائها، وأصبحت البرامج التي تبعتها مدروسة بشكل أكبر تتضمن برامج مقننة أعدت من قبل وزارتي الداخلية والخارجية تمنح للطالب حقوقاً أمنية وقانونية يتعرف عليها في حال اعترضته مشكلة، لافتاً إلى أن عدد الطلاب في برنامج الابتعاث منذ تأسيسه وصل إلى نحو 90.727 طالب وطالبة حالياً. وتطرق الموسى إلى أن منظمة عالمية متخصصة وضعت المملكة في المرتبة الأولى عالمياً على مستوى الحراك الطلابي، مضيفاً إلى أن برنامج الابتعاث يسير وفق ما خطط له، مستدلاً على ذلك بطلبات الدول الأخرى لدرس الطلاب السعوديين في جامعاتها ومنها المكسيك. 4000 طالب تعثروا أكاديمياً في ما يتعلق بأعداد الطلاب الذين أوقفت وزارة التعليم العالي بعثاتهم بعد تعثرهم، خصوصاً في الدول التي تشهد وجود طلاب سعوديين كثر، قال وكيل وزارة التعليم العالي لشؤون البعثات الدكتور عبدالله الموسى: «في أميركا على سبيل المثال جرى إيقاف بعثات 3372 طالباً من أصل 27 ألف طالب وطالبة، لعدم تقديم خطة دراسية وكشف دراسي كامل لأن العملية منضبطة تماماً، وليس من المعقول أن يترك البرنامج من دون عملية ضبط ولا بد من التعامل مع بعض الأمور بحزم، وألغينا منذ انطلاق برنامج الابتعاث في جميع مراحله حتى الآن 1722 حالة طلابية بشكل نهائي، و4000 طالب وطالبة تعثرواً أكاديمياً ومع ذلك لم تشكل لدينا أي قضية جنائية وهؤلاء جميعاً منحوا إنذاراً أولاً وثانياً حتى تم اتخاذ الإجراء اللازم معهم». وشدد على أن وزارة التعليم العالي لا تميز بين مبتعث أو مبتعثة، وآلية الفرز لديها آلية، والتعامل إلكتروني، لكنه اعترف في الوقت ذاته «بوجود أخطاء نسعى بكل جهد لحلها وتجاوزها حتى إن الوزارة تجتهد في قضية الخصوصية وهي مسؤولة أمام الله سبحانه ثم أمام الملك والوطن أن تدير هذا البرنامج بنجاح»، داعياً الجهات أخرى إلى إجراء دراسات تقويمية ل»برنامج الابتعاث» لأن الوزارة أجرت أكثر من 18 دراسة تقويمية للبرنامج وكلها كانت ناجحة إلا مسألة جوانب الرضا من الطلاب في التعامل مع بعض الملحقيات الثقافية وجرى تحسينها في حينها وتطوير خدماتها، حتى إن العمل والتخاطب أصبح إلكترونياً في كثير من المعاملات الطلابية. التنسيق مع وزارة العمل ذكر الدكتور عبدالله الموسى أن وزارة التعليم العالي عقدت ورش عمل مع جهات حكومية عدة بينها وزارة العمل والغرفة التجارية الصناعية ووزارة التخطيط وصندوق تنمية الموارد البشرية لمناقشة الفرص الوظيفية في سوق العمل للأعوام الخمسة المقبلة. وأضاف أن الوزارة تركز خلال المرحلة المقبلة على مشاريع الطاقة والغاز وأعدت برامج عدة وخصصت برنامجاً مستقلاً بذاته للطاقة والغاز، وتعمل على منح المتقدمين له مقاعد تنتهي بالتوظيف، مؤكداً الاهتمام أيضاً بالتخصصات الطبية بمختلف تخصصاتها، والتخصصات الهندسية، مشيراً إلى أن 5681 طالب يدرسون تخصصات علوم طبية مساعدة في مختلف جامعات العالم حتى الآن. مناطق الأطراف رد الدكتور عبدالله الموسى على تساؤلات طرحت في وسائل الإعلام أخيراً بشأن توزيع مقاعد الابتعاث بشكل عادل على أبناء مناطق المملكة، خصوصاً مناطق الأطراف بالقول: «البرنامج الأول والثاني جرى الابتعاث فيهما بناء على المعدل ولم ينظر إلى المنطقة، لكن البرامج الأخرى الثالثة حتى الآن تشترط أن يجري الفرز بناءً على المناطق وفقاً لإحصائية التخطيط الموجودة لدينا، وكتبنا للمقام السامي لزيادة مقاعد مناطق جازان وحائل والجوف والباحة وغيرها، وتمت الموافقة على ذلك، وأصبح الفرز لدينا الآن وفق المناطق كافة من دون استثناء، ووفق إحصائية التخطيط نوزع المقاعد بشكل متساوٍ، ونؤمن تماماً أن تنمية مناطق المملكة تأتي شاملة ونحن راضون عن الأداء ومتأكدون أن أبناءنا يجب أن يمنحوا حقوقهم كاملة، ونسبة الرضا في صفوف الطلاب على البرنامج تصل إلى 95 في المئة». انقلاب فكري أكد وكيل وزارة التعليم العالي لشؤون البعثات أن تغيراً حدث في خريطة البرامج التأهيلية للطلاب المبتعثين قبل سفرهم من المملكة. وأضاف: «في السابق كان الأمر محصوراً على برامج عدة تكون بمثابة الوعظ والإرشاد، أما في المرحلة الحالية فهي تقتضي ضرورة عرض القضايا بشكل أشمل وبأدق تفاصيلها حتى أطلقت الوزارة برامج تؤهل الطلاب للتعايش مع الظروف التي تحيط بهم منذ وصولهم إلى بلد الابتعاث». وتطرق إلى وجود برامج تختص بالنظر في المشكلات القانونية التي قد تحدث للمبتعث، يتعرف الطالب من خلالها على حقوقه ويطلع على العلاقات بين الدول، إضافة إلى وجود برامج مهمة جداً في أدب الحوار والجوانب الشرعية والتكيف الاجتماعي والنفسي للمبتعثين قبل خروجهم من المملكة. وشدد على أن «الحديث الذي يخرج بين الحين والآخر من أن هؤلاء الطلاب سيعودون للمجتمع ويقودون حالة انقلاب فكري أمر مبالغ فيه وغير صحيح تماماً والوزارة لم تسجل حالة فكرية واحدة حتى الآن، والسؤال الأهم الآن هل سيعود الطلاب بمهارات علمية أم لا؟ وهل حققوا النتائج المهمة التي أرسلوا من أجلها؟ هذا هو الرهان الحقيقي، ولا وجود للصراع الفكري». وأضاف الموسى أن عدداً كبيراً من الطلاب نقلوا الصورة الحقيقية ل»مملكة الإنسانية»، وعشرات الطلاب حققوا نتائج متقدمة دراسياً والبعض الآخر سجل براءات اختراع مميزة، ففي أستراليا على سبيل المثال سجلت 16 براءة اختراع لطلاب سعوديين رسمياً. ولفت إلى أن وزارة التعليم العالي تنظر إلى برنامج الابتعاث على أنه برنامج سياسي واقتصادي وثقافي، مشيراً إلى أن علاقات السعودية الثقافية تحسنت كثيراً في هذا المجال مع بعض الدول، وشاهد الناس فيها الصورة الحقيقية للسعودية التي أنشأت 622 مركزاً ونادياً طلابياً تقام فيها أنشطة وطنية، خصوصاً اليوم الوطني وحوار الحضارات. الخليل: على الملحقيات الثقافية أن تتجنب المركزية وتمنح صلاحيات طالب عضو مجلس الشورى سابقاً الكاتب الصحافي الدكتور خليل الخليل الملحقيات الثقافية بتجنب المركزية، مشيراً إلى وجود شكاوى من طرق تعامل بعضها مع الطالبات على وجه الخصوص. وأعرب خلال «ندوة الحياة» عن أمله أن يدرك المبتعثون طلاباً وطالبات أهمية المهمة التي أرسلوا من أجلها وتحقيق استراتيجية الدولة الممثلة في التركيز على المستقبل والكسب العلمي وإعطاء الصورة الصحيحة للإسلام ولبلادهم وأن يستفيدوا من تجارب الآخرين في مجالات العلوم والمعرفة الواسعة. وأضاف أن كل ما حدث من مشكلات في برنامج الابتعاث أمر طبيعي، ويجري التغلب عليها. وتحدث عن شكاوى على طرق تعامل الملحقيات الثقافية في بعض الدول مع المبتعثين، مطالباً بتعزيز قدراتها وإعطائها مزيداً من الصلاحيات وتجنب المركزية. وأكد أن بعض موظفي البعثات الثقافية لا يتعاملون بشكل جيد مع الطالبات السعوديات، مشيراً إلى وجود شكاوى مريرة في التعامل تصل إلى إلزام المبتعثة بالحضور أكثر من مرة من دون مبررات أحياناً. وأضاف أن إحدى الملحقيات أوقفت مخصصات مبتعثين من دون مبررات واقعية، مشيراً إلى أهمية التأكد قبل اتخاذ هذا الإجراء الشديد الذي يؤثر في نفسيات الطلاب وسلوكهم. وتطرق إلى عدم وجود خصوصية للطلاب والطالبات خلال تعاملهم مع الملحقيات الثقافية، داعياً تلك الملحقيات إلى إعادة النظر في تعاملها مع المبتعثين بشكل مسؤول على حد قوله. وبخصوص ما يثار أو فشل برنامج خادم الحرمين الشريفين، أكد الخليل أن الجميع سعيد بهذا البرنامج كونه يعتبر بمثابة الجسر المتين للدخول إلى عالم المعرفة، وليس المقصود نيل الشهادات فقط وإنما التواصل الثقافي مع الدول والشعوب وترسيخ مكانة المملكة حضارياً في العالم، مضيفاً أن خيار السعودية أن تدخل عالم المعرفة وهي جاهزة لذلك من خلال برامج الابتعاث، وأعرب عن أمله «أن تتبدد الشكوك والتردد في قبول الابتعاث لأنه ليس هناك مبرر لذلك والابتعاث موجود منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله». وفي ما يتعلق بما يردده البعض من أن المبتعثين سيعودون بأفكار خاطئة إلى البلاد قال: «الشيء الجميل ألا تكون هناك أي انتماءات فكرية معاكسة في صفوف الطلاب، وبرنامج الابتعاث تاريخياً كان ناجحاً ومفيداً وأسهم في بناء وتحديث الدولة، والسعوديون مرتبطون بدينهم وأخلاقهم ووطنهم بقناعة وليس هناك ما يستدعي التردد أو التشكك»، متحدثاً عن إحصائية كشفت أن نصف مليون سعودي ابتعثوا ودربوا في أميركا بين عامي 1950 و1985 ولم يبق منهم هناك إلا 4 أشخاص، وهذه النسبة لا تملكها أي دولة في العالم، مشدداً على أن الابتعاث توجه استراتيجي للبلد، والدين الإسلامي دين عالمي يمارس في كل مكان والأهم أن يدرك هؤلاء الطلاب أهمية رسالتهم وإنتاجيتهم. وكيل «وزارة العمل»: لسنا قلقين من عودة المبتعثين أكد وكيل وزارة العمل المساعد لتوظيف السعوديين أحمد الحميدان أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث سيكون نقلة نوعية في مجال العمل في السعودية ورافداً لسوق العمل في التخصصات كافة، مشيراً إلى أن الدولة التي تبتعث أكثر من 90 ألف طالب خارجياً هي دولة تعمل لبناء مستقبل قوي في مجال اقتصادها الذين يعتبر هؤلاء أساسه. وأضاف الحميدان خلال مشاركته في «ندوة الحياة» أن وزارة العمل ليست قلقة على الفرص الوظيفية الموجودة بعد عودة الطلاب المبتعثين كونها ترصد تجربة الابتعاث منذ بدايتها، وعودة الطلاب بالتأهيل المطلوب سيكون دليلاً قوياً ورداً كبيراً على الاتهامات التي يطلقها مسؤولون في القطاع الخاص دوماً بشأن عدم تأهيل الشباب السعودي بالقدر الكافي. وشدد على أن السعودية لا تعاني من شح في الوظائف لأبنائها لأن لديها 6.5 مليون عامل وسنوياً تصدر أكثر من 1.2 مليون تأشيرة عامل، وهذا يعني أنه ليس لديها مشكلات في الوظائف، لافتاً إلى أن وزارة التعليم العالي حريصة على أن تتلمس حاجات سوق العمل فنحو 58 إلى 60 في المئة من التخصصات علمية بحتة والبقية في علوم مطلوبة في السوق، ولن يمثلوا أي مشكلة في سوق العمل. وتابع: «وزارة العمل تعمل على مسارات عدة في توظيف السعوديين منها تشكيل فريق عمل لاستراتيجية توظيف السعوديين، وكذلك الإسهام في إيصال طالب العمل مع صاحب العمل بأسرع طريقة ولذلك نحن لدينا تطوير شامل في هذه البيانات على الموقع الإلكتروني وبإمكان المبتعث أن يطلع على الشركات التي لديها فرص وظيفية، وتعبئة البيانات تتم بطريقة ممنهجة وحديثة جداً وهو ما سيعطيننا معلومات واضحة ودقيقة عن جدية الشركات المؤهلة، وتنسيقنا سيستمر مع وزارة التعليم العالي بطرق جديدة».