يعد محمد العطيفي أحد الكتّاب الأدباء، الذين يعتمدون طريقة الحفر في التراث، والعودة إلى الماضي لإحياء مفرداته، التي تكاد تندثر وتصبح طي النسيان. ولهذا السبب ألحق القاص مجموعته الصادرة حديثاً بعنوان «المحطاب» بعدد من الصور القديمة، التي يعود بعض تاريخها إلى نصف قرن، لينقل بها صورة من أجواء قصصه. تركز القصص على إحياء المعاني القديمة أيضاً، وليس مجرد إحياء المفردات المندثرة، وتعتمد أسلوب الحكاية الأفقية البسيطة الخالية من التكلف، ومن الناحية التصنيفية يمكن وضعها ضمن بدايات مدرسة القص في المملكة. كما يمكن اعتمادها ضمن القصص الاجتماعية التوجيهية، التي تعتمد على تأزيم الموقف والوصول بالصراع إلى درجة الذروة، وأحياناً تتهاوى الحبكة تباعاً، لتنتهي بإيقاع ميلودرامي، كما في قصة «رصاصة زيد». تحكي قصة «رصاصة زيد» عن شارع ترابي يتلوى بين المنازل الطينية، وينتهي إلى ساحة فضاء كبيرة، وفي هذا الشارع يجلس أبو فهد أمام بيته، ويتوافد عنده الزائرون متكئين على المراكي القديمة معتزاً بمقتنياته، ومن ضمنها مسدس صغير قديم، يحتوي على رصاصة قديمة لم يتمكن أبو فهد من إخراجها. لكن رجلاً آخر قدم إلى المجلس، ونجح في تفكيك المسدس وتركيبه، وقام بتوجيهه إلى قدمه اليسرى، ضاغطاً الزناد مرات عدة، وصاحب المجلس يقول له: «يا أبو محسن ترى الشيطان ما مات احرص». ولكن زيد لا يبالي ويحاول أن يبرهن لأبي فهد، واضعاً المسدس على صدغه الأيمن، وهنا تدخل أبو فهد بطريقة واندفع بسرعة وحال بين الرجل وبين ضغط الزناد، ورفع المسدس إلى أعلى، فانطلقت الرصاصة، معلنة أنها صالحة على رغم السنين، وخيم الصمت على الجميع، لتتأكد القيمة المعنوية البدوية القائلة: «إن الشيطان لم يمت». إن هذا الطرح يتأكد منه أن حرفية القص عند العطيفي تتمثل في الأمثولة، وفي القدرة على إحياء القيمة الموروثة وتفعيلها وتفخيمها، ووضعها في موقع الفعل الذي يهدد القدر كل من يحاول إنكاره أو الالتفاف عليه. وهكذا يظل العطيفي أحد الأسماء الواعية، بتراثها وحكاياتها وبقيمها، ولهذا فهو يحمل في طيات كتابته روحاً قادرة على الانطلاق في كل مرة من المصدر نفسه، لكن بطريقة مختلفة كل مرة.