يذهب المغني اللبناني عاصي الحلاني في أغنيته المصورة الجديدة «بارودتي» إلى محاكاة المسلسل الشامي الشهير «باب الحارة» حتى يبدو الأمر معها وكأنها قد انسلت للتو من ثنايا المسلسل المذكور. ليس الأمر صدفة بالطبع، وبخاصة أن كل مكوناتها البصرية ترشح من ذلك الباب الذي لم يغلق بعد، وهي تصور على يد المخرج السوري سيف الشيخ نجيب الذي لا نعرف مشاركة له من قريب أو بعيد بالمسلسل إياه. لا تعوز الحلاني الشهرة، كي نقول إنه أراد الاتكاء على شهرة المسلسل السوري ليحقق له ولأغنيته انتشاراً من أي نوع، فهو «فارس الأغنية العربية» كما يحلو للفضائيات أن تقدمه للشباب العربي. وبغض النظر عن أهمية وأحقية اللقب، والألقاب الكثيرة التي تنفرد بها ساحة الغناء العربي، فإن المغني اللبناني نجم من نجوم الأغنية الشبابية الجديدة، وهذا أمر ليس بخاف على أحد، وما نفعله هنا قد لا يسهم بشكل أو بآخر إضافة شيء ذي معنى إلى هذه النجومية. ولكن ما تفعله أغنية «بارودتي»، انما يشكل تراجعاً عن الخط البصري المتقدم نوعاً ما الذي توصل إليه عاصي الحلاني في بعض أغانيه المصورة وهي حققت جاذبية متقدمة على ما شاهدناه الآن من كر وفر على ظهور الأحصنة العربية الأصيلة، فيما الأعداء يسقطون تباعاً في ساحات الوغى، والفارس العربي الشهم يقوم على حصانه، ولا يبخل بالذود عن الحمى والأخلاق والبيت العتيد كما كرستها سلسلة «باب الحارة» الشهيرة! حتى وقت قريب كنا توصلنا إلى قناعة مفادها أن بعض الأغنيات العربية المصورة أصبحت تحاكي في درجات تطورها بعض أفضل النتاجات العالمية، لجهة الصورة واللون والأداء، ولكننا نفاجأ اليوم بالعودة إلى محاكاة مسلسل يعاني من اشكالات كثيرة في النص والمعنى وقراءة التاريخ القريب بما يضمن إنصاف تلك الحقبة لا تسويغ الكثير من القيم المجحفة بحق البيت والمرأة الشامية، وبالتالي التراجع عن الكثير من «التفوق اللوني والبصري» لحساب صورة أقل ما يقال فيها هو عاديتها. «بارودتي» بهذا المعنى لا تشكل إضافة مهمة إلى الأغنية العربية المصورة حتى لو سلّم فيها المغني اللبناني النجم (البارودة) من بعد إصابته على ظهر فرسه ومصرعه المفاجئ إلى الوليد عاصي الحلاني ليكمل المشوار من بعده. ذلك أن المفردات البصرية التي تستلهمها وقعت في مطب التقليد وليس المحاكاة فقط، وبالتالي، فإن «بارودتي» تشكل تراجعاً في مشوار الحلاني المصور – على الأقل – ولا تقدم إضافة إلى العالم الشامي المفتوح حتى أجل غير مسمى. وبالطبع ليس سبب هذا التراجع وقوف مخرج شامي وراء الأغنية، وانما المحاكاة العمياء للمسلسل نفسه الذي خفت بريقه كثيراً في الآونة الأخيرة، ولذلك قولنا ان الأغنية تشكل تراجعاً بصرياً وكلامياً، يعني بشكل أو بآخر إن الدراما التلفزيونية أخذت تغطي على أغنية مصورة بدت لنا متطورة حيناً ومؤنسة في بعض نماذجها ومتجاوزة للكثير من القيم التلفزيونية المترهلة والثقيلة.