اتفق ديبلوماسيون ومحامون دوليون اجتمعوا في كمبالا الشهر الماضي على إعطاء محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي صلاحية محاكمة ممارسي جريمة العدوان. الخبر مهم جداً بمضمونه من دون أن أتوقع أن يُنفذ أو أن يحاكم يوماً المعتدون الكبار، إلا أن الصحافة العربية أهملته، وكأنه مرّ تحت جناح الظلام فلم تره. أعرف أن ميثاق الأممالمتحدة لم يمنع أي عدوان كبير مع أنه ينص بوضوح على «منع التهديد باستعمال القوة ضد السيادة الإقليمية والاستقلال السياسي لأي بلد». وهكذا كان ان الدول الأعضاء في اتفاق روما قررت في كمبالا أن تعطي مجلس الأمن الدولي حتى سنة 2017 ليمارس صلاحية تحويل قادة العدوان من أي بلد الى محكمة جرائم الحرب الدولية لمحاكمتهم. الولاياتالمتحدة شاركت في المداولات وأيدت الخطة مع انها ليست عضواً في محكمة جرائم الحرب الدولية، وبريطانيا وفرنسا العضوان أصرتا على جعل مجلس الأمن الدولي الحَكَم الأخير في تحديد العدوان ومَنْ ارتكبه، ما يعني ان الفيتو موجود لحماية المعتدي. الموضوع ليس جديداً فالمحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ حاكمت زعماء النازية بتهمة ارتكاب جريمة العدوان، وهي قررت أن العدوان «ليس مجرد جريمة دولية» بل هو أكبر جريمة دولية، ويختلف عن بقية الجرائم لأنه ينطوي ضمناً على الشر المتراكم للمجموع...». كان رئيس المحكمة العسكرية الدولية القاضي روبرت جاكسون، من المحكمة العليا الأميركية، وهو أصر على أن العدوان جريمة دولة وليس محصوراً بالدول المهزومة في الحرب العالمية الثانية. وانتظر العالم 65 سنة قبل أن تترجم كلمات القاضي جاكسون الى نص يعطي محكمة جرائم الحرب الدولية صلاحية محاكمة مرتكبي العدوان. والتأخر مفهوم، فأكبر المعتدين بعد الحرب العالمية الثانية كانوا: الاتحاد السوفياتي والولاياتالمتحدة واسرائيل، والآن روسيا مع أميركا وابنتها غير الشرعية اسرائيل من الدول غير الأعضاء في محكمة لاهاي. نعرف ما ارتكب الاتحاد السوفياتي ضد دول أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وكل الجيران، ونعرف أن روسيا أفضل من دون أن تتوقف عن العدوان. كذلك نعرف ما ارتكبت الولاياتالمتحدة من الشرق الأقصى حتى الأميركتين الوسطى والجنوبية، وانتهاء بالعراق. ثم هناك اسرائيل. قيام اسرائيل كان عدواناً على فلسطين وشعبها، والعدوان مستمر كل يوم، فإسرائيل تظل كلها بؤرة استيطانية غير شرعية حتى تقوم دولة فلسطينية ويعطيها أصحاب البلاد صك الشرعية. طبعاً أنا أقول هذا بصفتي العربية، غير ان العالم كله بدأ يميل الى سحب الشرعية من اسرائيل، وحملة BDS، وهي الحروف الأولى من كلمات بالانكليزية تعني مقاطعة وسحب استثمار وعقوبات، تقودها جماعات حقوق انسان وكنائس مسيحية بعضها في الولاياتالمتحدة نفسها. والعدوان هو ما ارتكبت اسرائيل بمجرد قيامها سنة 1948 ومنذ ذلك الحين انتهاء بحرب صيف 2006 على لبنان واجتياح قطاع غزة بين 2008 و2009، ومجزرة دعاة السلام في عرض البحر قبل أسابيع. كل جريمة من هذه تكفي لتحويل اسرائيل والمجرمين في قيادتها الذين ارتكبوا العدوان للمحاكمة أمام محكمة جرائم الحرب الدولية، إلا انني لا أتوقع أن يحاكم المجرمون الإسرائيليون، أو المجرمون من ادارة بوش الذين نفذوا غزو العراق لأسباب كاذبة عمداً فيما الأسباب الحقيقية نفطية واسرائيلية. طالما ان الذَنَب الإسرائيلي يهز الكلْب الأميركي ستبقى اسرائيل خارجة على القانون الدولي، وعندي مثل بسيط من هذا الشهر فقط فقد وقّع 542 أكاديمياً إسرائيلياً رسالة تدين وزير التعليم جدعون سَعَار (يبدو ان له من اسمه نصيباً في السَعَر أو الكَلَب) لتهديده بمعاقبة الأكاديميين الإسرائيليين الذين يؤيدون المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل. أرجو من القارئ العربي أن يلاحظ ان أكاديميين اسرائيليين يدينون حكومتهم، وجامعة بن غوريون نفسها متهمة بأنها أصبحت بؤرة لأعداء اسرائيل، ثم أن يتابع معي قضية 11 طالباً عربياً ومسلماً قاطعوا محاضرة للسفير الإسرائيلي مايكل أورين في جامعتهم، جامعة كاليفورنيا، في إرَفاين، وأصبحوا الآن مهددين بعقوبات أكاديمية، وحتى الطرد. وهذا مع العلم، كما كتب البروفسور جيس غنام، ان جورج بوش خطب عن الجنسية الأميركية في فرجينيا بتاريخ 4/7/2008، وقاطعه معارضو الحرب وهتفوا ضده وطالبوا بعزله، ولم يعترضهم أحد ولم يحاول معاقبتهم أحد. فقط اسرائيل يُمنع انتقادها فترتكب الجريمة وتنجو، لذلك أتوقع أن يُحاكم بالعدوان شاويش لم نسمع به سرق الحكم في دولة/ قبيلة في أفريقيا، وأن ينجو مرتكبو الجرائم الكبرى. [email protected]