دومينيك بوديس رئيس معهد العالم العربي في باريس صحافي سابق وسياسي فرنسي ناجح ينتمي الى حزب «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية» (اليمين الحاكم) وهو مرشح للانتخابات الأوروبية المقبلة. واستطاع بوديس منذ توليه رئاسة المعهد إزالة العجز المالي الذي استمر طوال 20 سنة، وترافق مع تراكم الديون. وبينما يشهد العالم أزمة مالية واقتصادية، فإن المعهد تعافى من مشكلته المالية وأصبح في صحة مالية جيدة وفقاً لما قال بوديس ل «الحياة». وذكر بوديس انه استطاع إزالة العجز عبر زيادة المساهمة المالية الفرنسية في موازنة المعهد والتوصل الى اتفاقات مع الدول التي كانت لديها ديون للمعهد وزيادة الهبات من الشركات الفرنسية، وتنظيم معارض جوالة في المدن الفرنسية والدول العربية. ولا يرى بوديس تناقضاً بين ترشّحه للبرلمان الأوروبي ورئاسته للمعهد، بل يرى تكاملاً، لأن إحدى أهم سياسات الاتحاد الأوروبي، هي الاتحاد من أجل المتوسط، والمعهد من بين ثلاث مؤسسات موجودة في هذا الاتحاد. عانى معهد العالم العربي منذ إنشائه من ديون متراكمة وعجز كبير في موازنته، فكيف الوضع الآن؟ - منذ ثلاث سنوات لم يعد المعهد يعاني من عجز في موازنته أي انه ينفق قدراً من الأموال أقل مما يحصل عليه. وخلال عشرين سنة كان هناك عجز سنوي في الموازنة مما كان يجبر المعهد على الاقتراض من المصارف لتغطية هذا العجز. وكان الدين يتراكم، أما الآن ومنذ ثلاث سنوات، فقد زال العجز وسددنا أكثر من نصف الدين، والمعهد في صحة مالية جيدة. لدى المعهد جانب قوي يكمن في جذبه عدداً كبيراً من الزوار، وجانب ضعيف هو العجز المالي المستمر. الجانب الضعيف أزيل الآن والمشكلة المالية وجدت حلاً لها. كيف تم حل المشكلة المالية؟ - عبر طرق مختلفة. أولاً: الدولة الفرنسية بذلت جهداً إضافياً من الناحية المالية. فازداد دعمها للمعهد الذي كان يبلغ 9 مليون يورو سنوياً الى 12 مليون يورو سنوياً وذلك منذ سنة 2007 ولمدة 4 سنوات. إذاً، نحن حتى نهاية سنة 2010 نتلقى مساهمة حكومية فرنسية بقيمة 12 مليون يورو سنوياً، وبعدها نتحاور مع الدولة الفرنسية حول الدعم السنوي المطلوب. أما الدول العربية فمن أصل 22 دولة، معظمها سدد ما كان عليه من متأخرات، هناك دول لم تدفع، لكن، لدى بعضها وضع مالي أو سياسي خاص مثل الصومال أو السودان. وفي المقابل هناك دول مدينة للمعهد وفي إمكانها تسديد دينها وهي ليبيا والعراق واليمن. وقد وقعت اتفاقية مع ليبيا التي بدأت تنفذ التزامها بدفع مبلغ قدره مليونا يورو، علماً أن دينها 15 مليون يورو. ووقعنا اتفاقية على 10 مليون يورو، وقد تنازلنا عن جزء من الدين بسبب الحظر السابق على ليبيا وأسباب أخرى مختلفة. وتعهدت ليبيا تسديد 7 ملايين يورو من الدين ومليونين لتمويل معرض كبير حول التراث الليبي في الحقبة الرومانية والبيزنطية والإسلامية. وسيكون هذا هو المعرض الليبي الأول، علماً أن في ليبيا أجمل الآثار الرومانية المتوسطية. والعراق أيضاً عبّر عن نيته حل مشكلة دَينه للمعهد، وقرر دفع مليون يورو سنوياً لتسديد هذا الدين، وقد حصلنا على أول مليون يورو في هذا الإطار، علماً أن دين العراق أيضاً يبلغ 15 مليون يورو. ويبقى الأهم، وهو هبات الشركات الخاصة، والشراكات، إذ عقدنا شراكات مع مدن وأقاليم فرنسية ومع دول عربية وشركات خاصة. ومن بين الخطوات التي سأقوم بها، جولات لمعارض المعهد في الدول العربية، وقد عملنا في هذا الإطار على إقامة المعرض حول «العصر الذهبي للعلوم عند العرب»، في الجزائر وفي مدينة تولوز الفرنسية وفي دمشق، والمعرض الآن في مرسيليا ثم ينتقل الى الرياض. وخلال سنتين سيكون هذا المعرض تجول على خمس محطات. وهناك معرض «أم كلثوم» الذي نظمه المعهد في باريس وانتقل الآن الى البحرين، وسينتقل في تموز (يوليو) المقبل الى الكويت، وبعدها الى دولة الإمارات العربية. ولدينا مجموعة من التحف الفنية المعاصرة تعرض حالياً في سلطنة عمان. وبالطبع فإن هذا التجوال يجلب عائدات مالية، فمثلاً حقوق عرض معرض أم كلثوم تبلغ 150 ألف يورو، وكذلك معرض العصر الذهبي للعلوم العربية. وإذا تمكنا من نقل معرض أم كلثوم الى الخارج مرتين متتاليتين ومعرض العصر الذهبي للعلوم مرتين متتاليتين، سنحصل على 600 ألف يورو وعلى معرفة أفضل للمعهد في هذه الدول. هل لديكم فريق وخبراء لتنظيم هذه المعارض في المدن والدول الأخرى؟ - نعم. فالمعهد يتولى تقديم هذه المعارض في الدول المختلفة، وهناك فريق عمل على الأرض لتنظيم المعرض في دولة معينة. ماذا عن الهبات المالية الخاصة؟ - إنها تأتي من شركات مثل «توتال» و «سوييز» و «لاغاردير» و«فيوليا». فتوتال وسويز موّلتا معرض بونابرت، بمليون يورو، ومؤسسة لاغاردير تساهم بمليون يورو لإعادة تأهيل متحف المعهد. وفي سنة 2006 عندما توليت رئاسة المعهد كانت قيمة الهبات والشراكات لا تتجاوز 500 ألف يورو، وبلغت في سنة 2008 مليونين ونصف المليون يورو أي انها تضاعفت خمس مرات. ما هي موازنة المعهد سنوياً؟ - 23 مليون يورو، وكانت العائدات في السابق أقل من ذلك، لكنها فاقت هذا المبلغ الآن، وبحلول نهاية السنة سنكون حققنا عائدات بقيمة 24 مليون يورو. ماذا عن برنامج المعارض؟ - انتهى معرض بونابرت، وفي الشهر المقبل سيبدأ معرض الفنانين الفلسطينيين الحديثين. وهو معرض رسم وتصوير ونحت وتجهيز، يمثل فرصة للتعريف بفنانين فلسطينيين غير معروفين. يكون الحديث عن الفلسطينيين دائماً عبر الأزمات والحروب وليس عبر الإبداع الثقافي والفني، لذا قررنا إقامة هذا المعرض بعد الحرب على غزة. وكنا نعد معرضاً حول فن الهندسة المعمارية في دولة الإمارات العربية، ولكن في ظل الأزمة المالية العالمية بدا الموضوع غير ملائم، ويمكن تقديمه لاحقاً بعد سنة أو سنتين. في المقابل كان من المهم بعد ما حدث في غزة أن نظهر الإبداع الفني لدى الشعب الفلسطيني. وفي الخريف المقبل نفتتح معرضاً للفنون الإسلامية وهو من مجموعة خاصة يملكها دافيد خليلي، وكان قدم في أبو ظبي قبل نحو سنتين، وهو معرض بديع. ونعمل أيضاً على تنظيم معرض للحرف ذات الجودة، بالتعاون مع «إيرميس»، حيث تتولى ليلى بنشاري التقديم العام له، مستخدمة أشياء سبق أن استعملتها في تصاميمها لواجهات متاجر «ايرميس». وسنشرك في المعرض حرفيين أكفياء من العالم العربي، بحيث نختار أكثرهم موهبة وإبداعاً للعمل على مرأى من الجمهور، على الجلد والحديد وغير ذلك، وبيع ما يصنعونه الى الراغبين. وهذا المعرض سيتجول لاحقاً في الدول العربية. سنحاول تقديم هذا المعرض في نيسان (ابريل) المقبل، لكن التاريخ ما زال غير مؤكد بعد. ونعمل أيضاً على تنظيم معرض حول طريق البخور، الذي قد نقدمه خلال زيارة السلطان قابوس الى باريس في تموز (يوليو) 2010. ونفكر أيضاً بمعرض عن «ألف ليلة وليلة»، وكل ما أثارته لدى الرسامين والسينمائيين، لنظهر ما أوحت به في مجال الإبداع الفني منذ قرون. ماذا عن تطوير المكتبة؟ - نحاول تطوير المعلوماتية في المكتبة، إفساحاً للمجال للاطلاع على الكتب بواسطة الكومبيوتر. وتعاونا مع مكتبة الاسكندرية التي قامت بعمل كبير في هذا المجال، وتمكنت من إدخال عشرات الألوف من الكتب لتقرأ عبر الكومبيوتر. فنحن نرسل إليهم الكتب وهم يحولونها الى نسخ تقرأ بواسطة الكومبيوتر ويعيدونها إلينا ويحتفظون لأنفسهم بنسخة منها. ماذا عن ثقافات السياحة مثل فنون الطبخ المختلفة في العالم العربي؟ - لدي فكرة لم أبلورها بعد وتقضي بتنظيم أسبوع كل شهر حول السياحة في العالم العربي، لأن ثلث الفرنسيين الذين يتوجهون للسياحة في الخارج يذهبون الى العالم العربي. وليست هناك تظاهرات محددة حول الموضوع، وأنا أحاول مع المسؤولين عن قطاع السياحة أن أنظم نشاطات حولها في الدول العربية نضمّنها سهرات لتذوق مأكولات هذا البلد أو ذاك. كل هذا ما زال في طور الأفكار، ولكن ينبغي إطلاقها. بالنسبة الى مستقبلك السياسي، أنت اليوم ترأس المعهد، وأنت مرشح للانتخابات الأوروبية، فكيف يمكن أن توفق بين المهمتين إذا تم انتخابك؟ - أنا مولع بمعهد العالم العربي وكذلك بالبرلمان الأوروبي. ومقتنع بأن المعهد والبرلمان كل منهما مكمل للآخر. والسبب هو أن إحدى السياسات المهمة للاتحاد الأوروبي، هي الاتحاد من أجل المتوسط. وفي البيان النهائي لرؤساء دول الاتحاد من أجل المتوسط هناك صفحات عن الحوار الثقافي، وفي إطار هذا الحوار ثلاث مؤسسات هي مؤسسة ليندت ومكتبة الاسكندرية ومعهد العالم العربي. فأنا على رأس مؤسسة تعد واحدة من أدوات سياسة الاتحاد الأوروبي من أجل وحدة المتوسط في المجال الثقافي. وهذا متكامل، كما يمكنني أن أنظم وقتي بين بروكسيل وستراسبورغ والمعهد. وعندما سأكون في البرلمان سأختار لجان العمل المعنية بالعلاقات العربية - الأوروبية والاتحاد من أجل المتوسط. وفي إمكاني وضع خبرتي في العمل ومعرفتي بالعالم العربي، حيث سبق أن عملت صحافياً في دول عربية. ويمكن أيضاً عبر عملي في البرلمان الأوروبي أن أعرف أوروبا في شكل أفضل على المعهد.