لم يحلم السوريون، قبل الثورة، بأن يحصلوا على الجنسية التركية أو أي جنسية أخرى، سوى قلة قليلة منهم، لكن، بعد أن هُجّر وتشرد الملايين منهم، وجابوا مختلف أصقاع الأرض، بات الحصول على جنسية أخرى حلماً يراود معظمهم. وفي تركيا، يعيش حوالى 2.7 مليون سوري، يطلق عليهم اسم «لاجئين» مجازاً، لأن قوانين تركيا لا تسمح بتصنيفهم كلاجئين، وفق الاتفاقية التي وقعتها مع الأممالمتحدة عام 1951، حيث استحدثت الحكومة التركية قانون «الحماية الموقتة»، التي تتضمن الإقامة غير المحدودة والحماية من الإعادة القسرية، وتوفير خدمات الاستقبال، ومعالجة الاحتياجات الأساسية الفورية. وحتى اليوم، يتم تقديم المساعدات للسوريين في شكل منتظم داخل المخيمات. أما بالنسبة لمن هم خارج المخيمات، فتقدم المساعدة على أُسس خاصة، باستثناء الحصول على الرعاية الصحية والطبية العامة، والتي فتحت أمام جميع السوريين في تركيا. ويشمل نظام الحماية الموقتة جميع اللاجئين، بمن فيهم أولئك الذين لا يملكون وثائق تعريف شخصية (هوية، جواز سفر). كما يشمل أيضاً الفلسطينيين الأشخاص من دون جنسية القادمين من سورية. ويعاني القسم الأعظم من السوريين في تركيا، سواء اللاجئين داخل المخيمات أم الذين يمارسون أعمالاً خارجها، من تبعات الهجرة القسرية، ومن صعوبات معيشية، تتصل بالعمل والإقامة والاندماج، على رغم أن أوضاعهم في تركيا أفضل بكثير من أوضاع أمثالهم في البلدان العربية، خصوصاً لبنان والأردن ومصر. وجاء تصريح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال مأدبة إفطار أقيمت في الثاني من تموز (يوليو) الجاري، بولاية كليس الحدودية مع سورية، بمشاركة أسر شهداء أتراك وعائلات سورية لاجئة، كي يثير آمالاً وأشجاناً لدى غالبية السوريين في تركيا، خصوصاً أن «وزارة الداخلية اتخذت خطوات جديدة من شأنها تسهيل منح الجنسية التركية للسوريين الراغبين بها». وأثارت التصريحات ردود فعل متباينة في الشارع التركي، حيث أطلق مغردون أتراك، هاشتاغ: «لا نريد السوريين في بلدنا»، على تويتر، فيما غرد آخرون هاشتاغ: «من يقول لا نريد السوريين من الطائفيين، فلنرسلهم إلى الأسد، وليبقى السوريون هنا، ونربح الإنسانية». وحديث تجنيس السوريين في تركيا، ليس جديداً، بل يعود إلى أكثر من ثلاث سنوات، وشكل مادة للتجاذب السياسي ما بين الحكومة وأحزاب المعارضة، فيما غاب الملف عن أروقة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، على رغم أنه كان يطمح، ويطالب، في يوم ما بأن يكون الممثل الشرعي الوحيد للسوريين. غير أن تصريح أردوغان حول تسهيل منح الجنسية التركية للسوريين الراغبين بها، اقترن بتأكيده أن الموقف التركي «لن يتغير تجاه الملف السوري، ولا يمكن القبول بحكمٍ ظالم يمارس إرهاب الدولة، وتجاوزت ممارساته الإرهابية ممارسات تنظيمات حزب الاتحاد الديموقراطي السوري «ب ي د»، وحزب العمال الكردستاني «ي ب ك»، وتنظيم الدولة «داعش». منح الجنسية للسوريين في تركيا، «يمكن أن يفهم كإجراء لتسهيل حياة السوريين المشردين والتخفيف من عذاباتهم»، وفق ما تقول نائب رئيس الائتلاف السوري المعارض، سميرة مسالمة، التي شكرت الحكومة التركية على ذلك، لكنها ترى أن هذا «لا يعني تخلي السوريين عن هويتهم ومواطنتهم السورية، التي نعتز بها وثار المواطنون على النظام من أجلها»، بل هي «مجرد إجراء لمن يرغب، ولا تعفي تركيا من استمرار التعاون والضغط مع المجتمع الدولي للوصول إلى حل سياسي، وتشكيل هيئة حكم انتقالي تمكن البلاد من تحقيق ما عزم عليه السوريون، من بناء دولتهم المدنية الديموقراطية، التي تتساوى فيها حقوق المواطنين جميعاً». في حين اعتبر عضو الائتلاف، سمير نشار، أن «المصالحة والتطبيع مع كل من إسرائيل وروسيا الاتحادية، تركت ظلالاً، وأسئلة حول ما بعد الاستدارة، وإلى أين ستصل، لذلك جدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تأكيده أن الأسد هو الإرهابي الأول وعليه الرحيل»، لكن الاستدارة التركية نحو روسيا، تنقلها إلى مستوى جديد، وتقتضي تغييراً في الخطاب التركي، لكن الأمر لن يصل إلى حدّ اتخاذ تركيا مواقف من النظام السوري مناقضة لموقفها المعروف». واعتبر أن تسهيل منح الجنسية للسوريين الراغبين بها، «يزيل الهواجس لدى السوريين»، وإن تحقق فهو «سيخلق توازناً في المناطق الحدودية مع كل من الأكراد والعلويين، ويشكل موقفاً إيجابياً من تركيا، كونه يعيد، ويشكل، نواة صلبة في الحدود والمناطق المتجاورة، السورية التركية، ولن ينسى السوريون الجميل، حتى ولو عادوا إلى سورية»، الأمر الذي «يشكل ضمانة لتركيا، فضلاً عن أن منح الجنسية، هو رسالة غير مباشرة، تفيد بأن الاستدارة التركية ليست على حساب السوريين، إنما هي تصحيح مسار». وتقتضي القوانين التركية أن من يريد الحصول على الجنسية، يتوجب عليه الإقامة خمس سنوات متتالية من دون انقطاع في تركيا، في شكل شرعي، وأن لا تكون إقامته بغرض الدراسة، وأن لا يزيد مجموع فترات خروجه خارج الحدود التركية أكثر من سته أشهر، وبالتالي فإن غالبية السوريين العظمى، المقيمين في تركيا، لا يحق لهم الحصول على الجنسية، ذلك أن نوعية إقامتهم لا تؤهلهم لذلك حيث تشترط القوانين حصولهم على إقامة عمل. ويستثنى من ذلك المتزوجات من مواطن تركي أو المتزوج من مواطنة تركية، حيث يحق لهما التقدُّم للحصول على الجنسية بعد مرور 3 سنوات، شريطة إثبات وجود ترابط أسري، وأن هدف الزواج ليس فقط للحصول على الجنسية، يضاف إلى ذلك الأشخاص ذوو الأصول العثمانية، ويملكون ما يثبت أصولهم. وفي سياق الجدل داخل الأوساط السياسية التركية، حول تجنيس السوريين في تركيا، كان وزير الداخلية التركي السابق، معمر غولر، قد أكد أن عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية منذ عام 1923 حتى العام 2013، بلغ 5 آلاف و730 شخصاً، معظمهم حصل عليها نتيجة الزواج من مواطنة تركية، لكن أحزاب المعارضة اتخذت موضوع اللاجئين السوريين مادة للتجاذب السياسي مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، ودخلت في جدل مناكفة ونكاية مع الحكومة التركية، حيث حذر نائب حزب الشعب الجمهوري المعارض أردوغان طوبراق في تصريح لصحيفة «سوزجو» من «تغيير ديموغرافي في العديد من الولايات التركية خلال السنوات المقبلة، وذلك بعد أن يتمكن السوريون من الحصول على الجنسية التركية»، واتهم حزب التنمية العدالة الحاكم بالسعي للحصول على أصوات انتخابية جديدة، وذلك من خلال زيادة عدد أصواته الانتخابية بنحو مليون صوت، على الأقل، في انتخابات عام 2019». ووصل خطاب النكاية إلى حدّ أن زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كلجدار أوغلو، كان وعد بإعادة السوريين إلى بلادهم في حال فوزه بانتخابات السابع من حزيران (يونيو) 2015. في المقابل جادل مثقفون وسياسيون أتراك، وخصوصاً المقربين من أوساط حزب العدالة والتنمية الحاكم، حول ممكنات تجنيس بعض السوريين، فاعتبر الكاتب، أَسَر قرقاش، أن «القسم لأكبر والأهمّ من هؤلاء الناس القادمين إلينا، وخصوصاً السوريين، هم متعلمون ومثقفون، ويوجد بينهم الكثير من يتقن الفرنسية والإنكليزية، والكثير منهم لديه مهنة واحدة على الأقل، ويستطيع هؤلاء العمل هنا، والأهم من ذلك أنهم يستطيعون تأسيس أماكن عمل وفرص استخدام للعمال». وذهب إلى القول إن «من شأن ضمّ مليوني مواطن عربي إلى مواطنينا، أنّ يُؤثّر على مكانة تركيا في الشرق الأوسط في شكل كبير جداً، ويقودها إلى نقطة قوية وثابتة أكثر ممّا هي عليه الآن، وأن يُخفّف الضغط حول التناقص في عدد السكان، وبالتالي فإنّ ضمّ ما يقارب مليوني شخص إلى كثافتنا السكانية، ولغتهم الأم هي اللغة العربية، سيؤثر على النظرة السيئة في مجتمعنا، حول مفهوم المواطنة العنصري، الخارج عن المفهوم العام في هذا العصر، والموجود ضمن المادة 66 في الدستور العام، وتغيير هذا المفهوم مهم جداً، ويضغط اجتماعياً، في شكل إيجابي، على العنصرية والتمييز العنصري». وانشغلت مراكز بحوث ودراسات وبعض الجامعات، بموضوع الحضور السوري على الأراضي التركية، حيث أوصى تقرير أعدته جامعة «حاجتبه» التركية منذ عامين، الحكومة والشعب «بالاستعداد نفسياً على الأقل على تقبل احتمال أن غالبية اللاجئين السوريين في تركيا سيبقون ولن يعودوا إلى بلادهم». وأياً كان الأمر، فإنه ليس سهلاً منح ملايين السوريين الجنسية التركية، ربما لن يتعدى الأمر منح البعض من ذوي الكفاءات العلمية والقدرات المميزة، على رغم أن أردوغان اعتبر في أكثر من مناسبة أن «بلاده تنظر إلى السوريين كمهاجرين ونحن الأنصار، وأن الشعب التركي كله لم يتوان عن الوقوف إلى جانب إخوته السوريين خلال محنتهم القائمة»، لذلك أكد نعمان كورتولموش، نائب رئيس الوزراء التركي، أن بلاده «لا تستطيع منح 2.5 مليون لاجئ سوري الجنسية التركية، لكن يمكن للسوريين الحصول على الجنسية، عبر التدرج بإقامات العمل وفقاً القانون». وعلى رغم أن تصريح أردوغان حرك الآمال لدى بعض السوريين، وهم لا يخفون الترحي بتسهيل الحصول على الجنسية التركية، كي يشعروا بوضع آمن ومستقر، لكنهم لا يخفون أيضاً تساؤلات حول كيفية تنفيذ ذلك، خصوصاً أن معظمهم يرغب بالبقاء في تركيا، في حال توافرت الظروف المناسبة، خصوصاً فرص العمل والاستقرار. * كاتب سوري مقيم في اسطنبول