بعد أربعة أيام قضيتها في شبه عزلة في منزلي بالرياض لا أرى سوى عائلتي تقريباً، وجدت نفسي في أول ساعة لوصولي إلى مدينة نيويورك في شارع برادواي، وسط حشود كبيرة، أشعرتني لوهلة أنني سقطت دون مقدمات بواسطة مظلة وسط هؤلاء الخلق، شعور مختلط بين الاندماج والصدمة شعرت بالاندماج لأنني شعرت بالأمن سريعاً والحرية وشعور آخر أشبه بالصدمة، ربما تكون الصدمة الحضارية هي التي خضتني، شعرت أنني لا أستطيع التكيف السريع مع هذه الجموع العالمية الهائلة والتي تعيش في الشارع وكأنها أسرة واحدة، العاملون يحيونك بمودة ويمازحون الأطفال ويرشحون لك أي المسرحيات تناسب مساءك الأول في نيويورك، المدرج الكبير المقام في شارع برادواي يعرض مباراة حية لكأس العالم والناس متسمّرة أمام الشاشة الكبيرة للمباراة، وتستطيع معرفة النتيجة من ملابس الفريق الذي يرقص فرحاً، الجموع تتوزّع بين هنود ويهود، يابانيون وأفارقة، حتى البوذيون بملابسهم البرتقالية يحدقون بدهشة مثلي في عالم نيويورك العجيب. خليط من الأعراق والأجناس والأديان يتشاركون في الشارع الحي، الذي يعكس روحاً حضارية ضخمة مدهشة، حية، يحرسها قانون أمني، الكل يعرف من أين تنتهي حريته حين تصطدم بحرية الآخرين، وقبل أن تعترض على حرية قد لا تناسب ثقافتك، عليك أن تفكر أن هذه الحرية التي حمت هذا الاختلاف الثقافي، هي ذاتها التي تحمي اختلافك الثقافي من نفس الجانب وبنفس القوة، لذا أنت مضطر للتنازل عن رفضك لصالح القبول الجماعي، مشاهد هذا التعايش تتكرر كثيراً أمامي خلال جولتي في أكثر من ولاية أمريكية، السيدة السعودية بنقابها الأبيض اللافت للنظر، اليهودي بقبعته السوداء، شلة المراهقين الأفارقة الذين يرقصون على انغام الآي بود، وهم على ما يبدو في طريق عودتهم للمنزل، البوذي بزيه المختلف، كل هؤلاء يشتركون في حق الحياة والكرامة الانسانية والتعبير عن المعتقد. في الطابور الطويل لمشاهدة تمثال السيدة «الحرية»، وقف افريقي يمتهن الدق على صحن من الحديد يسأل الناس من أين أنت؟ ثم يعزف لهم، وحين اقتربنا منه سألنا من أين أنتم؟ قلنا له من السعودية، قال: حسناً اسمعوا هذا، ثم بدأنا نتعرف على نغمات السلام الوطني لبلادنا. هذا الرجل عزف السلام الوطني السعودي يا له من عالم صغير حقاً. [email protected]