ضحكات مجلجلة تصدر من كل أرجاء قاعة السينما يومياً في الحفلات الصباحية والمسائية. غالبية الحضور من الشباب. يضحكون لأن ما يشاهدونه هو الواقع بحذافيره. فيلم «عسل إسود» بطولة الفنان أحمد حلمي يعري جانباً حيوياً من واقع حياتهم. شاب من أصل مصري هاجر إلى أرض الأحلام مع أسرته وهو صغير، وعاد لزيارة وطنه حاملاً جواز سفره المصري معتقداً أن هذا هو التصرف الطبيعي. ولكنه يلقى أسوأ معاملة على الاطلاق... وحين يبرز جواز سفره الأميركي يعامل معاملة الملوك. المفارقة الخاصة بجنسية جواز السفر مضحكة، ولكنها حقيقية. وهي لا تعكس فقط التفرقة في المعاملة لمصلحة الجنسيات الغربية، لكنها تعكس اشتياقاً شبابياً لا يفتر تجاه الولاياتالمتحدة رغماً عن كل التحولات السياسية والدينية والاجتماعية. «نفسي أهاجر! هذا هو حلم حياتي!» وعلى رغم أن الحلم ليس مدعماً بأية خطط أو حتى أفكار ولو كانت مبهمة، إلا أن أحمد (24 سنة) لا يألو جهداً في سبيل تحقيق حلمه. تارة يمضي ساعات طويلة مثبتاً أمام شاشة الكومبيوتر في محاولات مستمرة للحصول على ابنة الحلال التي تؤمن له فرصة سفر وإقامة في دولة أوروبية، وتارة أخرى يتردد على المراكز الثقافية الغربية تحت ستار تعلم لغة عله يحصل على منحة دراسية أو تدريبية أو مهنية تكون خطوة نحو الضفة الأخرى. وتارة ثالثة يهرع إلى التقدم بأوراقه كلما طالع إعلاناً عن فرص الحصول على البطاقة الخضراء (غرين كارد) من طريق ال «لوتري». حلم أحمد غالباً لن يتحقق، فهو يظل حلماً من بين ملايين الأحلام الشبابية المصرية. قد يطلق أحدهم ذقنه، ويرتدي بنطالاً قصيراً، ويرفض مد يده بالسلام لأي زميلة أو صديقة، لكنه لا يمانع أبداً لو جاءته فرصة السفر إلى بلاد «الفسق والفجور» كما يصفها في أحاديثه. وقد يرى أحدهم أن «من خرج من داره قل مقداره»، لكن ما أن تلوح في الأفق فرصة السفر غرباً، حتى تذوب قلة المقدار هذه. واقع الحال في الألفية الثالثة يشير إلى أن الهجرة الشبابية من مصر باتت تتمثل في الهجرة إلى الدول العربية بغرض العمل، بينما تظل نسبة الشباب الذين ينجحون في الهجرة إلى أوروبا والولاياتالمتحدة ضئيلة للغاية. وبحسب الأرقام الواردة في دراسة أجراها المدير الإقليمي السابق لمنطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا في المجلس السكاني الدكتور راجي أسعد في عام 2009 تحت عنوان «هجرة الشباب المصري: الأنماط، والتطلعات، والدوافع» فإن 15 في المئة من الشباب المصري يتطلعون الى الهجرة. هذه النسبة التي تبدو قليلة تتناول الشباب الذين يفكرون جدياً بالهجرة وسعوا فعلياً إليها، معتمدين على عوامل تؤهلهم لها، من مستوى تعليمي أو قدرات وملكات أخرى. وهذا يعني أن هناك آخرين كثيرين يتوقون إلى الهجرة، لكنهم لا يعملون في سبيلها لمعرفتهم المسبقة بأنهم غير مؤهلين لها. وعلى عكس الهجرة الموقتة إلى الدول العربية بغرض جمع المال في عدد من السنوات، طالت أو قصرت، فإن المتطلعين إلى الهجرة غرباً يطمحون الى نوعية حياة أفضل. يقول مالك (22 سنة) وهو طالب في إحدى الجامعات الخاصة، ويسعى لاستكمال دراسته العليا عقب تخرجه في بريطانيا أو الولاياتالمتحدة أنه يتمنى أن تتاح له فرصة الإقامة في دولة غربية. وعلى رغم أنه لا ينتمي الى الطبقات المحتاجة اقتصادياً، إلا أنه يؤمن بتحقيق نوع من الترقي في نوعية الحياة التي يعيشها. «لا يكفي أن يعمل الإنسان ويحصل على راتب مرتفع، ولكن المهم كذلك أن يتمتع بنوعية حياة جيدة، وذلك حتى يكون للحياة طعم جميل. من جهة أخرى، فإنني أفضل أن ألحق أبنائي في المستقبل بمدارس في دولة غربية ليتعلموا وينشأوا في بيئة صحية وجيدة». ويبدو أن مثل هذه الأحلام لا تدور فقط في إطار الهجرة والإقامة في دولة غربية، ولكنها تتعلق كذلك بالحصول على جواز سفر غربي. تقول لمياء (19 سنة) أنها ستبذل قصارى جهدها حتى تحصل على جواز سفر أميركي وإن كانت لا تحلم بالإقامة الدائمة في الولاياتالمتحدة. لكنها تؤكد أن جواز السفر الغربي يحقق الطمأنينة لصاحبه. وتقول: «زمان كان الشباب يحلمون بشهادة عالية، وشقة فاخرة، وسيارة فارهة، وراتب كبير. حالياً ينضم إلى قائمة الأحلام جواز سفر أجنبي». وتشير لمياء إلى أن امتلاك جواز سفر غربي أصبح بين بنات جيلها من المقومات الإيجابية في العريس. وأثرت التغيرات السياسية الكثيرة منذ أحداث 9/11 سلباً على حلم الهجرة الشبابية نحو الغرب. فالحلم بات أصعب من قبل، لكنه لم يختف وصار أشبه بإجراءات التأمين التي تتخذها الأسر الميسورة مادياً من أجل أبنائها. ويقول سامح (32 سنة) ويعمل مهندساً أنه سعى بطرق عدة لأن تضع زوجته مولودتهما في الولاياتالمتحدة حتى تحصل على الجنسية. وساعدته على ذلك ظروف عمله، فهو دائم السفر إلى هناك حيث مقر الشركة. ولذلك اصطحب زوجته في إحدى الزيارات التي خطط لها أن تتواكب والأسابيع الأخيرة من حملها. ويقول: «عمل آباؤنا على تأمين مستقبلنا بشراء شقة وإلحاقنا بتعليم جيد. والآن، نؤمن مستقبل أبنائنا بجواز سفر أميركي. فهو إن لم يضمن لهم الإقامة في أميركا، لكنه على الأقل يضمن معاملة جيدة لهم هنا».