الأندية الأدبية مع الأسف الشديد أصبحت قضية من لا قضية له، بعد أن كانت همّ الأدباء والمثقفين. لا شك في أن هناك أسباباً كثيرة لهذا الاهتمام الذي بلغ أوجه في فترات محدودة ليعود الجميع أدباء ومثقفين وجمهوراً في تسجيل الغياب الكبير والهجرة بلا عودة. أظن أن لائحة الأندية الأدبية تعد سبباً كبيراً في هذا الجدل الذي أصبح مداراً للكل من دون استثناء. ما يقوله بعض رؤساء الأندية الأدبية عن الإقبال الكبير على التسجيل في العضوية يتخذ الكم حكماً على حساب الكيف. الأندية الأدبية مع الأسف الشديد تتعامل مع الفعل الثقافي بالكم، فالمعلومات التي تنقل للناس تعتمد على كم محاضرة وكم ندوة وكم عدد الحضور وكم عدد المشاركين وكم عدد الكتب التي طبعت لكنها تغفل عن جانب أهم وهو الكيف. كل هذه التداعيات خلقت لنا حالاً من الهوس بالكم على حساب الكيف. لذلك علينا ألا نستغرب هذا التحول الخطر في المفاهيم العامة لدى من كنا نعتقد أنهم نخب ثقافية إذا ما أصبحوا في حال هذيان عامة بالعدد، من دون سؤال عن قيمة فلان الحقيقية في إنتاج فعل ثقافي. الآن لا حديث للثقافة، ومن يفترض أنهم مثقفون يعملون داخل الأندية الأدبية إلا بالكم على حساب الكيف، مع أننا نعلم جيداً ومعنا كثيرون ممن يراقبون عمل هذه الأندية، نعي حال الارتباك داخل هذه المؤسسات الثقافية والتشابك بين الأديب الذي فسدت حاله الثقافية داخل هذه المؤسسة وبين الأكاديمي الذي وجد نفسه داخل هذه المؤسسات بعد أن فقدها بشكل كامل أو جزئي في معقله الأصلي. بالنسبة إليّ لم أعد أعول على المثقف والأديب الذي يخون أمانته ويتنازل عن وعيه الثقافي لمجرد شعوره بلذة المنصب، ليحول المؤسسة الثقافية والأدبية إلى ميدان للاستقطاب، سواء أكان قبلياً أم حزبياً. أعرف كما يعرف غيري أن هناك تخاذلاً واضحاً في تطبيق شرطي اللائحة، لأجل الظفر بصوت أو أصوات، وأعلم أن هناك نادياً أدبياً تسلم ملفات العضوية من دون تدقيق أو مراجعة تذكر، لأن هناك من يبحث عن حضور ذاتي لنفسه بعيداً عن الأدب والثقافة والأمانة التي حملوها. الأندية الأدبية ستضيع إن لم يكن لوزارة الثقافة موقف صادق وواضح من هذه التجاوزات، والمسألة لا تحتاج إلى جهد كبير. المسألة تحتاج إلى صدق فقط.