ينظم المتحف الوطني المجري عرضاً لصور روبرت كابا الفوتوغرافية خلال الشهر الجاري. دخل كابا تاريخ التصوير الفوتوغرافي كأحد أهم المراسلين الحربيين، منذ نشرت الصحف صورته «سقوط المقاتل» التي التقطها في العام 1936 خلال الحرب الأهلية الإسبانية. ومنذ ذلك الحين نقل كابا وقائع الحروب، حيث صوّر معارك الحرب العالمية الثانية في شمال افريقيا وأوروبا وقبلها في الحرب الصينية اليابانية عام 1938، ثم صور الحرب العربية – الإسرائيلية في 1948، وحرب الهند الصينية قبل ان يسقط قتيلاً في انفجار لغم أثناء تصويره الحرب وهو يصاحب القوات الفرنسية في فيتنام يوم 25 أيار (مايو) 1954. سقط في ساحة الحرب وهو متشائم من مستقبل المصورين الفوتوغرافيين الحربيين الذين بدأت الصحافة التلفزيونية تهدد دورهم. ولد روبرت كابا في بودابست عام 1913 باسم أندره ارنو فريدمان، ودرس فيها قبل ان يذهب الى فيينا وبراغ ثم برلين في 1931 ليدرس الصحافة. برز اسم فريدمان عند تصويره تروتسكي وهو يخطب في جمع من الناس في ملعب في كوبنهاغن عام 1932. إلا انه أُجبر على ترك الدراسة في 1933 بعد استلام هتلر السلطة في ألمانيا لكونه يهودياً. لم يمكث طويلاً في بودابست وانتقل الى باريس خريف العام نفسه. وهناك حاول العيش من التصوير، حتى انه غيّر اسمه املاً بالحصول على عمل واتخذ لنفسه في 1934 اسم روبرت كابا القريب من اسم المخرج الأميركي فران كابرا المشهور آنئذ. في باريس تعرّف على مصورة هي جيردا تارو (اسمها الحقيقي جيردا بوهوريل 1910 – 1937 بولونية الأصل) وأحب أحدهما الآخر، وذهبا سوية الى إسبانيا لتغطية الحرب الأهلية هناك من معسكر الجمهوريين. كانا يعملان سوية، ونشرت تارو بعض صورها تحت اسم كابا، وهكذا اختلط الاثنان في الحب وفي العمل. ومع ذلك في الإمكان تمييز صور كابا عن صور تارو، لأن كابا استعمل كاميرا من نوع لايكا 35مم التي صورها مستطيلة الشكل، واستعملت تارو كاميرا من نوع رولي التي تعطي صوراً مربعة. تعرف الإثنان على همنغواي وصحافيين غربيين كانوا يدعمون الجمهورية وعقدا صداقات معهم. عاد كابا الى باريس في حين بقيت جيردا لتصور معارك ووقائع الحرب الإسبانية، مستعملة كاميلا لايكا هذه المرة. إلا ان وفاة جيردا المفجعة تحت جنازير دبابة جمهورية في تموز 1937 غيّرت من حياة كابا تماماً. عندها قال كابا «في الحرب يجب ان تحب أو تكره شخصاً ما. يجب ان يكون لديك موقفاً وإلا لن تستطيع تحمل ما يجرى». كان كابا شخصية مثيرة، كثر حولها النقاش في حياته وحتى بعد مماته. والحق ان تلك الفترة الحرجة من تاريخ أوروبا شهدت تعقيدات اقتصادية وصراعات سياسية وفكرية شديدة، ويكفي ذكر الأزمة الرأسمالية، وصعود الفاشية والستالينية، وفي ظل مثل هذه الظروف تصبح بعض الصفات البشرية الخاصة ضرورية للبقاء. في ذلك الوقت اشتهر صنف من المجريين الجسورين والمغامرين والمقامرين والمخادعين ومدعي الثروة والألقاب وما شابه، حتى شاع المثل القائل «عندما يفسح لك المجري لتدخل الباب الدوّار قبله الى الفندق، ستراه داخل البهو وقد سبقك»، وهذا يفسّر قول كابا «لا يكفي ان تكون موهوباً، يجب ان تكون مجرياً كذلك». أقام علاقات حميمة مع الكثير من النجمات مثل انغريد برغمان، إلا ان هذه العلاقة بقيت طي الكتمان الى ان كشفتها ايزابلا روسلليني ابنة برغمان إثر عثورها على المراسلات بين امها وكابا. وفي الفترات التي تتخلل الحروب صوّر كابا الفنانين والكتّاب، بينهم بيكاسو وجون شتاينبك (الذي رافقه في رحلة طويلة الى الاتحاد السوفياتي بعد الحرب). يصف الصحافي فيليب نايتلي الذي تخصص بالصحافة الحربية والاستخباراتية في صحيفة «صنداي تايمز» كابا بأنه «كان كذوباً، مهووساً بالمقامرة، مصاباً بالكآبة، يشرب بكثرة، وزير نساء (وعلى الخصوص العاهرات). كان يستغل الناس ولا يحترم كلمته، وعندما اتهم بالشيوعية وسحبت وزارة الخارجية الأميركية جوازه وشى ببعض الأسماء حتى يسترجعه». وقبل ان يكون هذا التشخيص انعكاساً للصورة النمطية التي اشتهر بها المجريون في الفترة الواقعة قبل الحرب العالمية الثانية، هو بالدرجة الأساسية – ولا عجب – وصف دقيق للحالة النفسية لهذا الرجل الذي قضى عمره في الحرب وسط مشاهد الدمار والموت. وفي خصوص المسائل التي تعد في صلب «اخلاقيات المهنة»، اشتد النقاش الحاد بين صفوف المصورين الذين انقسموا معسكرين، فهناك من يعتبر صورة «سقوط المقاتل» صورة ممسرحة أخرجها كابا، على رغم الاتفاق العام على اعتبار الصورة لقطة واقعية حقيقية، الى حد تشخيص اسم المقاتل الميليشيوي الجمهوري القتيل باسم فدريكو بوريل غارثيا. فقد أشار الباحث ريتشارد ويلان الى ان الصورة حقيقية استناداً الى ابحاث اجراها، تتعلق بوثائق وشهادات شهود عيان اشتركوا في الحرب الأهلية تعرفوا على الجندي القتيل، وأثبت سقوط بوريل غارثيا في معركة قرب غرناطة يوم تصوير الصورة، 5 ايلول (سبتمبر) 1936. أما الدلائل التي يسوقها المتشككون فهي كثيرة لكنها غير مباشرة، منها تصريحات كابا نفسه عن «إخراجه» مشاهد تحاكي المعارك، وتشابه وجه المحارب في الصورة مع شخصيات معدودة أكثر كابا من تصويرها. ولا ننسى ان تلك الفترة شهدت امتداد العمليات العسكرية لتشمل الحرب النفسية ودخول الدعاية طرفاً فيها وفي السياسة كذلك. واشتهت الماكينة الإعلامية الستالينية في الثلاثينات بإخراجها الصور المرتشة، التي حذفت منها شخصيات مهمة غضب عليها ستالين وصفّاها جسدياً قبل أو بعد ان يصفيها في الصور كذلك. الصورة نشرت للمرة الأولى في مجلة فو Vu الفرنسية عدد 23/9/1936، قبل ان تنشرها مجلة لايف الأميركية بعنوان «جندي إسباني في اللحظة التي يسقط فيها صريعاً برصاصة في الرأس» في عدد 12/7/1937. ويرى نايتلي الذي كان أول من تحدث عن فبركة هذه الصورة في 1975، ان الكثير من صور الحرب الإسبانية ممسرحة. في المقابل تشير صور الإنزال الأميركي في نورماندي القليلة التي نجت من التلف الى ان كابا كان مع الموجة الأولى التي اقتحمت الشاطئ الفرنسي، وكذلك صوره الحربية الأخرى، ما يضعف ادعاءات فبركة الصورة. والآن، وبعد أكثر من نصف قرن على وفاة كابا، اقتنى المتحف الوطني المجري مجموعة من صوره تضم 1010 صور فوتوغرافية بقيمة 835 ألف دولار من المركز الدولي للتصوير الفوتوغرافي في نيويورك، والذي أسسه الأخ الأصغر لروبرت كابا، كورنيل كابا عام 1974. ويدرس في هذا المركز نحو ستة آلاف شخص سنوياً في 400 دورة لتدريس كل ما يتعلق بالتصوير. وكان المركز أعد سلسلة صور مختارة من بين اهم اعمال كابا، وهناك ثلاث نسخ مرقمة من هذه السلسلة وممهورة بختم روبرت كابا، الأولى تبقى في المركز نفسه، والثانية اشترتها اليابان، والثالثة المجر. ونظم المتحف الوطني عرضاً لمختارات من المجموعة خلال شهر آذار (مارس) الجاري إثر استلام المجموعة، على ان تعرض المجموعة كاملة في متحف لودفيغ للفن الحديث في بودابست خلال صيف وخريف هذا العام. ويجرى كذلك استعمال المادة المتعلقة بكابا الموجودة في المتاحف المجرية، مثل صوره الموجودة في المتحف الفوتوغرافي أو نسخ المجلات التي نشر فيها صوره، وغير ذلك من الوثائق. يذكر ان كابا أمضى ستة اسابيع في المجر عام 1948 لتصوير الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، ومظاهر انفراد راكوشي بالحكم وبدء فترة جديدة مظلمة في التاريخ المجري. من أقوال كابا: «الحرب مثل الممثلة التي تتقدم في السن: شيئاً فشيئاً يزداد خطرها، وتصبح غير مناسبة للتصوير». «افضل أن اصبح عاطلاً من العمل كمصور حربي حتى آخر عمري». «إذا كانت صورك غير جيدة، فاعلم انك لست قريباً ما يكفي من الموضوع الذي تصوره».