رحلت عنا يا عمي الحبيب عبدالرحمن بن عبدالعزيز الجميح إلى الدار الآخرة، فقد كنت حنوناً كريماً، طيب الأخلاق، بشوش الوجه، حسن المحيا، يحبك ويأنس بك كل الناس، وما ذاك إلا لصفاء قلبك وطهارة نفسك الزكية، لقد تألمت أسرة الجميح وجميع محبيك بخبر انتقالك للدار الآخرة، ولعل من أوائل بشرى المؤمن وعلامات حسن الخاتمة أنه عندما فاجأك المرض كنت تتهيأ لأداء فريضة من فرائض الله، وقبل دخولك في الغيبوبة، كنت تردد كلمة التوحيد وتلاطف وتُطمئن أبناءك وأحفادك والعاملين معك الذين تشرفوا بنقلك إلى المستشفى، قال صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه»، وقد تعجب كل من في المستشفى من الملازمة المستمرة لأبنائك وبناتك لك بجوار سريرك لمدة شهرين، كانوا يبتهلون إلى الله تعالى بالدعاء ويقرأون القرآن لك. لا أنسى يا عمي الحنون عندما أخبرك إمام المسجد بعد صلاة العصر أن أحد الأشخاص قد توفي، فقلت له لنذهب معاً بسيارتك لتقديم العزاء، فأخبرك أن سيارته قديمة ويخشى أن تقف في الطريق، فرددت عليه قائلاً: إن شاء الله لن تقف، على رغم أن سيارتك وسائقك قريبان منك، فذهبت وقدمت واجب العزاء إلى أهل الميت، إذ كنت أستاذاً في التواضع ولين الجانب، لقد وفيت بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم «وإذا دعاك فأجبه»، فكنت تلبي جميع الدعوات التي تصلك بغض النظر عمن هو صاحب الدعوة لإدخال السرور إلى قلوبهم. ولا أنسى عندما كنت في مكتبك وأريتني تلك الآية العظيمة التي أكرمك الله بها، وذلك عندما نشب حريق في مكتب أحد الموظفين العاملين لديك والتهم جميع الأوراق والخشبيات باستثناء المصحف الشريف الذي أتت النار على أطرافه فقط، وتوقفت ذليلة عند حدود النص القرآني، واحتفظت بهذا المصحف الشريف في مكتبك لتريه كل من زارك، ولا أنسى زيارتك للوالد عندما كان في الخارج للعلاج، إذ أدخلت السرور إلى قلبه وخففت عنا جميعاً الكثير من الآلام والمعاناة النفسية، كما لا أنسى حبك ودعمك للمسؤولين في جمعيات تحفيظ القرآن الكريم. لقد كانت مغادرتك للدار الآخرة فجيعة كبيرة على الناس كافة، حتى أن خطيب الجمعة أشار إلى مكانك الذي كنت تصلي فيه صلاة الجمعة، وكنت حريصاً على التبكير لصلاة الجمعة، وذكر شمائلك ودعا لك في خطبة الجمعة ما أفاض دموع المصلين ساخنة عند الدفن، ورفع الجميع أكف الضراعة متوجهين إلى القبلة المشرفة يدعون الله تعالى لك بالرحمة والمغفرة والثبات، وأنت أهل لأن تُذرف عليك الدموع لتخفف آلام هذه القلوب التي تألمت لفراقك. لقد حرصت عند عودتي من بيت العزاء متوجهاً إلى المطار أن أركب سيارتك الخاصة لعلي أجد فيها ريح عبيرك الطيب، وأخبرني سائقك عن الكثير من صفاتك الطيبة وأخلاقك السمحة التي لا يتسع المجال لذكرها، ومن أهمها حرصك على ركوب سيارتك القديمة تواضعاً منك وعدم رغبتك في ركوب السيارة الجديدة التي امتلكتها تطييباً لخاطر ابنائك، كما أخبرني عن حرصك على المواعيد وعدم تركك للسائق ينتظر في الخارج لمدة طويلة رأفة ورحمة به، وأخبرني انك كنت ترفض أن يفتح الباب لك. عمي الحبيب، أنت أهل لأن يكتب عنك تاريخ حياتك ليستفيد من ذلك الصغير والكبير من ابنائك وأحفادك واحبائك، وعزاؤنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلام «يدخل عليكم اليوم رجل من أهل الجنة»، فلما تحرى الصحابة عنه وجدوه مثلهم لا يزيد عنهم بصلاة أو صيام أو عبادة، إنما كان لا ينام وفي قلبه غل لمسلم، ونحتسب على الله أنك مثل ذلك الرجل الطاهر القلب. عمي الحبيب، لن ننساك ما حيينا، فأنت في قلوبنا، وعزاؤنا فيك ابناؤك الكرام الذين أحسنت تربيتهم الذين هم خير خلف لخير سلف، ونستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، ونسأل الله تعالى أن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة. ختاماً، انطفأ نور جميل في أسرة الجميح، وانخبأت فواحة عطرية شذية، نسأل الله أن يتغمد الجميع بواسع رحمته. [email protected]