تم القبض على الإمام السابق لأحد مساجد عنيزة، ورجل الأعمال اللاحق، والجميع عرف قصته، ومغامراته الدينية، والاجتماعية، و«الزواجية»، وبالتأكيد المالية التي أكلت أموال الناس بالباطل. لماذا معظم المحتالين في المساهمات، أو جامعي ومشغلي الأموال، من «المطاوعة»؟ تبدو الإجابة هي الاختفاء خلف قناع الورع أو كسب ثقة الناس، «الخ الخ الخ»، السؤال «الأملح»: لماذا يعطي الناس أموالهم ومدخراتهم لهذه الفئة أكثر من غيرها؟ وبالتحديد فئة أئمة المساجد، ومن في حكمهم؟ هل هو الاعتقاد بالبركة؟ لا أحسبه كذلك، خصوصاً أن مجتمعنا لا يمارس التبرك بالأشخاص والشخوص والأماكن كما في معتقدات العامة في بلدان إسلامية أخرى، إذاً ما هو السبب يا ترى؟ من تجربة شخصية، عبر مساهمتين فاشلتين، ومن خلال العمل الميداني في الصحافة الاقتصادية، استشف بعضاً من الأسباب، أولها وأهمها لغة الخطاب التي يستخدمها رجل الدين عند الحديث عن الرزق، وأرزاق الله في الأرض، والمشي في مناكبها، والحديث الشريف حول تسعة أعشار الرزق التي في البيع والشراء، وتحاشر معظم الناس في العُشر المتبقي المتمثل في الوظائف. إنهم يكثرون في أحاديثهم، خصوصاً عند بداياتهم، من العزف على وتر الحرية، والانعتاق من رق الوظيفة، فيداعبون أحلام من حولهم، الحلقة الأولى، الذين يقومون بنشر أخبار بركة العمل الحر وجريان الأرباح على أيديهم، وللمعلومية فإن في طليعة ضحاياهم طلبة علم صغاراً ومتحمسين، يداعبون أحلامهم في التفرغ لطلب العلم. الأمر الآخر، هو عدم توافر البديل لدى الناس، البديل الذي يثقون فيه، ويعتقدون بإمكان أن يتعامل معهم بعدل، خصوصاً عندما نتحدث عن أواسط الناس من أصحاب المدخرات الصغيرة التي لا تكفي للاستقلال بعقار خاص يدر دخلاً ثابتاً، ولا لإنشاء وتشغيل مشروع تجاري، وهنا تبرز مجدداً مشكلة ثقافتي الادخار والاستثمار. العزف على وتر الدين والاستقامة له تأثير بالغ في الجميع، وإمام المسجد غالباً له كلمة مسموعة في الحي، أو المدينة الصغيرة، ومنهم من يسعى فعلاً بالخير لأرزاق الناس، ومنهم من يضمر نية اللعب بأموالهم، ومنهم من هو ضحية لإمام آخر انخدع فيه، وكان من ضمن ضحاياه. المعلومة المؤلمة أن غالبية المشتغلين الحقيقيين في المساهمات، العريقين فيها، والملتزمين مادياً وأخلاقياً مع الناس، تواروا عن الأنظار، وباتوا يحصرون أعمالهم في أضيق نطاق ممكن، والجميل أن من نسمع عنه منهم، ليس «مطوعاً» بالمعنى الدارج بقدر ما هو رجل فطري يتعفف عن أموال الناس. حاولوا أخذ عينة من أصحاب المساهمات المتعثرة أو التي تم التحايل فيها، ستجدوا أن ثلاثة أرباعهم ركبوا موجة التدين الزائف، أقرب الطرق إلى الثراء والتأثير في المجتمع الذي عاش لفترة وهو يخشى مجرد السؤال أو التساؤل عن صدق أمثال هؤلاء. [email protected]