ارتدت جهود الاتحاد الأوروبي لمساعدة تونس على تحديث اقتصادها، أشكالاً مختلفة. وبموجب اتفاق شراكة توصلت إليه تونس مع الاتحاد، أخضعت مئات المصانع المحلية إلى خطط تطوير، تمهيداً لرفع الحواجز الجمركية بين الجانبين، ومن بداية 2008. وعزز الاتحاد مساعدته بإطلاق خطة لتوأمة مؤسسات إدارية محلية مع مثيلاتها في أوروبا. واندرجت الخطة في إطار سياسة توسع الاتحاد إلى بلدان الجوار الجغرافي. واقتبس الاتحاد الأوروبي هذا النموذج من نجاح تجربة التوسع التي أدت إلى إدماج أعضاء جدد في الاتحاد. وقال مسؤول برنامج التوأمة في بعثة الاتحاد الأوروبي في تونس خوان أنريكي نيكولا أدان ل «الحياة»: «تقوم ميزة هذه الطريقة على انتقاء مؤسسة من أحد البلدان العضو في الاتحاد، لديها خبرة مهمة متفوقة في مجالها، لربطها مع مؤسسة تونسية مماثلة من طريق التوأمة، ما يُحقق الجمع بين التمويل الأوروبي لخطط التحديث والاستفادة من خبرة المؤسسة الأوروبية التوأم، ويؤمن حواراً بين الطرفين يسهم في نقل الخبرة من الشمال إلى الجنوب. ويمكن القول إن غالبية المؤسسات الأوروبية التي تمت التوأمة معها فرنسية، وهو خيار فرضه الحرص على تسهيل الحوار والتفاهم بين كوادر المؤسسات المعنية بالتوأمة. وأفاد الخبير أدان بأن نحو عشرين مؤسسة إدارية تونسية استفادت من الخطة حتى أواخر العام الماضي. وانتقيت المؤسسات المحلية التي تملك نقاط قوة تسمح لها باستيعاب الخبرة التي تحصل عليها من الهيئة الأوروبية المماثلة. وفي مقدم المؤسسات المستفيدة مديرية الجمارك التونسية، وهو قطاع استراتيجي في قلب الاقتصاد المحلي. ومن خلال لقاءات أجريت في أوروبا وفي تونس، رُكِّز على معرفة الحوافز التي يمكن أن تشجع على القيام بالواجب الجبائي، نظراً إلى أن العدل في الجباية يشجّع المستثمرين وينمّي الاستثمار، ويؤدي غيابه إلى تقاعسهم وترددهم. وفي هذا السياق يشكل ضمان شفافية العمل الجبائي ووضوح قواعده ومعاييره، شرطين أساسيين لتحسين مناخ الأعمال والتخفيف من عبء الضرائب على الشركات ورجال الأعمال وتنقية العلاقات مع الإدارة من الشوائب. وبحسب أدان، ترمي عمليات التوأمة بين مؤسسات تونسية ومثيلاتها في فرنسا إلى أهداف ثلاثة: تحسين الخدمات المقدمة إلى دافعي الضرائب وإنشاء مديرية مركزية في وزارة المال معنية بالشركات الكبيرة الحجم، وثانياً تعزيز إمكانات الإدارة التونسية بخاصة في تأمين تدفق المعلومات وتنظيم عمل الرقابة الداخلية وتحسين إدارة الموارد الإنسانية. أما الهدف الثالث فيتمثل بتحديث آليات التكوين والتدريب. واعتُبرت هذه التجربة رائدة وشديدة الطموح، فهي رائدة لأنها أرست حواراً وتعاوناً من نوع جديد مع الاتحاد الأوروبي، وهي شديدة الطموح لأنها مقتبسة من أهداف سياسة الجوار التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي، والتي ستُغير نوعية العلاقات بين الجانبين. ولتحقيق الأهداف الثلاثة عبأ الاتحاد إمكانات مالية وبشرية كبيرة، تمثلت في إنفاق 1.5 مليون يورو وإرسال 70 خبيراً رفيعي المستوى إلى تونس في إطار 120 مهمة. التوأمة والتحديث يمكن اختزال الحصاد، بحسب المصادر التونسية والأوروبية، بخمس نقاط، أولاً وضع رسم توجيهي نموذجي لتعميم استخدام الكمبيوتر، وثانياً وضع خطة استراتيجية ونظام خاص بقياس نوعية الخدمات المقدمة إلى دافعي الضرائب، وثالثاً إيجاد مشروع ميثاق لدافع الضرائب، إضافة إلى المساعدة في إنشاء مركز خدمات خاص بالضرائب. أما الهدف الرابع فوضع خطة لتحديث نظام تكوين الكوادر وتحسين البنية «البيداغوجية» للتكوين، فيما تمثل الهدف الأخير المُحقق بإيجاد وسائل وأدوات حديثة للرقابة الداخلية والتفتيش وتقويم الأداء. ورأى الخبير الاقتصادي التونسي سمير الحرازي أن هذه الأهداف تلتقي مع إصلاحات أخرى باشرتها تونس، وبخاصة مسار إصلاح الإدارة العمومية (وزارات ومنشآت قطاع عام) الذي يدعمه أيضاً الاتحاد الأوروبي، بمشاريع من ضمنها مشروع الإدارة الإلكترونية ومشروع تحسين نوعية الخدمات ومشروع إدارة الموازنات في ضوء الأهداف والمعروف اختصاراً ب GBO. واعتبر أدان أن وزارة المال التونسية يمكن أن تكون قائدة عملية الإصلاح الكبيرة المنوي إدخالها على نظام إدارة الضرائب والجباية لتحقيق الأهداف الموضوعة للعملية. وتُمكن الإشارة في هذا المجال إلى توأمة أخرى مع مؤسسات إيطالية، تهدف إلى تحديث الإدارة المحلية في تونس بإقامة تعاون دائم مع مثيلتها في إيطاليا، التي تُعتبر أقرب بلد جغرافياً. ومع تضافر جهود مؤسسات فرنسية وإيطالية ارتدت العملية طابعاً ثلاثياً وساعدت في بناء علاقات صداقة وتعاون بين المؤسسات المتوأمة. غير أن الجانب الأوروبي أكد أن الخطوة ليست سوى مرحلة أولى من مسار أطول لتحديث جميع مؤسسات الحكم المحلي في البلد، بالاعتماد على المساعدة المالية والفنية الأوروبية. وأفاد الخبير التونسي كاظم الميلادي بأن الأداتين اللتين نصحتا وساعدتا المؤسسات المحلية المعنية هما «أداة المساعدة الفنية وتبادل المعلومات» (TAIEX) المتخصصة بتقديم الدعم في التقريب بين الاشتراعات الأوروبية والتونسية، و«أداة دعم تحديث المنشآت العمومية في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية» (SIGMA). ويتمثل دور الأولى عملياً في تجميع طلبات المساعدة وإيجاد خبراء مناسبين لكل خطة، أما الثانية فتمت في إطار التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وهي معنية بتحقيق هدفين: تقديم الخبرة الفنية في إصلاح الإدارة العمومية والمساعدة على إدارة المال العام. وباختصار فإن آلية التوأمة التي ربطت مؤسسات تونسية بمثيلاتها الإيطالية والفرنسية، منحت الإدارة العمومية في تونس فرصة فريدة للاستفادة من خبرة الهياكل الأوروبية، لتصبح أكثر انفتاحاً ومرونة، وتجابه تالياً استحقاقات فتح الأسواق أمام المنافسة طبقاً لأهداف اتفاق الشراكة، الذي كانت تونس البلد الأول من بين بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط، الذي توصل له مع الاتحاد الأوروبي. * أوروبا جارتنا مشروع إعلامي مشترك متعدد الوسائط بين «الحياة» وتلفزيون «ال بي سي» وصحيفة «لوريان لوجور» الناطقة بالفرنسية، يموله الاتحاد الاوروبي ويهدف إلى تسليط الضوء على مشاريع الاتحاد وبرامجه في منطقة حوض المتوسط عبر تقارير تلفزيونية ومقالات صحافية تنشرها «الحياة» اسبوعياً وتحمل علامة المشروع. المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد الاوروبي. للاطلاع زوروا موقع: www.eurojar.org