قرأت خلال الشهور الأخيرة أخباراً متناثرة في المواقع الإلكترونية، تتحدث عن أزمة صعبة تعيشها الشاعرة والكاتبة الإماراتية ظبية خميس جرّاء كتابتها لمقالة تنتقد الجامعة العربية وأمينها العام السيد عمرو موسى. خميس التي تعمل منذ سنوات طويلة سفيرة في الجامعة العربية، تقول أنباء المواقع الإلكترونية، أنها تعيش تهديدات جدّية في عملها كما في حياتها بسبب ذلك المقال الانتقادي، وهي تهديدات دفعت الشاعر الإماراتي أحمد راشد ثاني لتوجيه رسالة مشتركة إلى كل من اتحاد أدباء الإمارات وجمعية الصحافيين الإماراتيين يناشدهم فيها التدخل لحماية الشاعرة خميس. شخصياً لا أعرف ملابسات وتفاصيل الأمر، ولا أحيط بدقائقه وأبعاده، ولكنني مع ذلك أدعو من هنا لإجراء تحقيق محايد، يقف على أبعاد وتفاصيل مشكلة هذه الشاعرة السفيرة التي عرفناها طويلاً فاعلة في حياتنا الثقافية والإبداعية. من اللافت هنا أن ما حدث ويحدث يقع في المؤسسة العربية «الأم»، التي نفترض جميعاً أن تكون حاضنة الآراء، وتتسع للخلافات والتعددية، كي تكون مؤهلة وقادرة على النهوض بالحالة العربية المتهاوية في ضعفها والمستسلمة لبيروقراطية التوافق بين حكوماتها العاجزة، خصوصاً أن كثراً من المواطنين العرب يعلّقون آمالاً كبرى على شخص ودور أمينها العام السيد عمرو موسى لتحقيق ذلك. ما وصلنا عن محنة الشاعرة والكاتبة المرموقة ظبية خميس يستحق بالتأكيد اهتمام الجميع في الجامعة العربية، كما في الساحة الثقافية عموماً، وهو يتجاوز فردية الحالة ليطال موقعها وأثرها، وما تشير إليه من انحدار المؤسسة العربية الأولى، ونزولها من علياء مهماتها الكبرى إلى مجرد مؤسسة وظيفية تحكمها التراتبية بكل ما تتضمنه من خضوع للوظيفة وانضباط وهمي لها، لا نراه ممكناً ولا مقبولاً حين يتعلق الأمر بالرأي وبحرية النقد على وجه الخصوص. نقول ذلك ونتساءل دون دهشة أو استهجان عن غياب دور ما لاتحاد الأدباء والكتاب العرب، الذي نعرف أنه سبق أن أخذ علماً بالقضية، والذي نرى (على رغم معرفتنا بحالته) ضرورة أن يكون له موقفه ووقفته، وأن يتحرّك لإنصاف ظبية خميس وحمايتها مما تواجهه وتتعرض له. واقعة كهذه تفتح الباب من جديد لملاحظة وهن ولا فاعلية مؤسسات المجتمع المدني العربية، وغرقها في كل ما هو غير مهم، وسكوتها عن القضايا الأخطر، والأشد تأثيراً في حياتنا، الثقافية والسياسية على حد سواء، وكأن الأمر يتعلق بمصير فردي معزول عن الآخرين، ومقطوع الصلة بمصيرهم. دعوة نوجهها للرأي العام العربي عموماً، وللمثقفين وقادة الرأي على وجه الخصوص من أجل أن يرفعوا أصواتهم عالياً، كي لا تتكرّس الحالة، وتتحوّل إلى ما يشبه العادة في أروقة مؤسستنا العربية الأولى التي نؤمن بأهمية استنهاضها وتطويرها كي تخرج من سكونيتها الراهنة. هي مسألة تتعلق تماماً بالحريات العامة والشخصية، وبحق النقد الذي لا يجوز طمسه بدعوى الوظيفة، التي لا يجوز أيضاً أن تكون وسيلة لحجب الرأي وتكميم الأفواه. * كاتب فلسطيني.