يبدو أن أصحاب المآخذ على القوات الدولية في الجنوب باتوا من متابعي أعمال الفنان اللبناني زياد الرحباني في الآونة الأخيرة. فهؤلاء يستخدمون منذ فترة عبارات وردت تكراراً ومراراً في مسرحيات الرحباني، التي غالباً ما كانت ترد في معرض المزاح، وأكثر هذه العبارات وروداً على لسان أصحاب المآخذ هي: «الأهالي يفعلون كذا...». و«الأهالي» وردت في غير مسرحية من مسرحيات الرحباني، خصوصاً في «فيلم أميركي طويل»، حين يعلن «أهالي حاصبيا علقانين مع النروجية»، وقد عنى بذلك أن أهالي حاصبيا اشتبكوا مع الكتيبة الإندونيسية في اليونيفيل. ويكمل: «السنغاليين دخلوا في الصلحة». فحزب الله استعمل مصطلح الأهالي في سياق مشابه، حينما خرج مسؤولوه ليعلنوا أن «الأهالي» اشتبكوا مع قوات اليونيفيل في بعض قرى الجنوب، وأن الأهالي، من تلقاء أنفسهم، قطعوا الطريق على هذه القوات التي كانت تحاول أداء عملها في منطقة عملياتها الخاضعة للقرار الأممي 1701. والحزب، حينما يضع «الأهالي» في الواجهة، فإنه يختبئ بهم، ويضرب بيدهم، وينطق بلسانهم، ثم ما يلبث أن يتبرأ منهم، كما ورد على لسان نائب أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم، الذي أعلن أنهم براء من أفعال «الأهالي»، وأن الحزب لو أراد أن يحرّك الجنوب لأقامه ولم يقعده. لكن «الأهالي»، وبعفوية يدّعيها نائب الأمين العام للحزب، اقتحموا دبابات اليونيفيل، ورشقوها بالحجارة، وأوقعوا جرحى في صفوف أصحاب القبعات الزرق. وهذا خارج عن سيطرة الحزب، الذي في لحظة حساسة، لا تعود له سلطة على الناس، ولا يستطيع حتى تأنيبهم على أفعالهم المتفلّتة من كل ضابط وعقال. ومع ذلك، ساهم الحزب، عبر قنواته السياسية، في ترتيب لقاء بين قيادة اليونيفيل و «الأهالي» ممثلين برؤساء بلديات ومختاري بلدات جنوبية شهدت إشكالات مع جنود القوات الدولية، توصّل خلاله الحزب إلى فرض إيقاعه على ملعب الجنوب، وأرسى معادلة جديدة، منتزعاً بموجبها اتفاقاً على أن يواكب الجيش اللبناني اليونيفيل في تحرّكاتها، كما تم الاتفاق على عدم قيام اليونيفيل بدوريات في الأحياء الضيقة للقرى خصوصاً خلال الليل، وعدم التصوير في الأودية والتلال المحيطة بتلك القرى التي لها خصوصية كمثل وادي الحجير والسلوقي. هذا بالإضافة إلى أنه على اليونيفيل إعلام الجيش بكل الخطوات التي تنوي القيام بها، والأهم من هذا كلّه، عدم استخدام اليونيفيل الكلاب البوليسية، التي تزعج الحزب بحاسة الشمّ القوية لديها. هكذا تحوّل حزب الله إلى راع لتطبيق القرار الدولي على طريقته، وأمسك بمجموع الدول المشاركة في القوات الدولية، وساقها إلى ما يناسبه ويحقق مصالحه. من وحي الأخبار هذه شاعت نكتة في الجنوب مفادها أن اجتماعاً مرتقباً سيجمع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والملك الإسباني خوان كارلوس إلى مختار بلدة تولين للتباحث في تحرّكات القوات الدولية في زواريب القرى الجنوبية. وفي مسرحية «شي فاشل» لزياد الرحباني، يسرق مختار الضيعة الجرّة، ما يغضب الأهالي، ويدفعهم إلى التجمّع في الساحة اعتراضاً، ويبدأون بالرقص على إيقاع موسيقى فولكلورية لبنانية. ما أحلى «غضب الأهالي» في مسرحيات الرحباني الفكاهية، وما أثقله وطأة في مسر/حيات حزب الله الجنوبية. * صحافي لبناني.