لم يرتكب الإيطالي ليبي خطيئة، عندما قال لقد كان منافسونا أقوى منا كافة، ولم يجد الإيطالي كابيللو غضاضة في القول إن الألمان هزموه لأنهم كانوا الأقوى، ولم يجد الأرجنتيني مارادونا حرجاً في القول إن الألمان هزموه أيضاً لأنهم كانوا الأقوى، ولم يرتكب الألماني لوف إثماً عندما صرح بأن إسبانيا هي أفضل منتخب في العالم، وهكذا تتوالى اعترافات المدربين الكبار، عندما يجدون أنفسهم أمام حقيقة لا تقبل التجزئة أو القسمة على اثنين. أما الهولندي مارفيك فلم يبد سعادته بوصوله النهائي، ويرى أن هدفه لم يتحقق، وقد يكون في هذا شيء من الغرور المعطر بالثقة، وأما الاسباني دل بوسكي فابتسم أخيراً وقال، لم أكن أتصور أن لاعبي إسبانيا قادرون على تقديم هذا الأداء الرائع، ولم يقل إن منافسيه كانوا دون المستوى، بل أجزل لهم التقدير، وتلك من طباع الكبار، الذين لا يستخفون بالصغار. ولعل ميزة المباراة ال 62 بين الألمان والأسبان أنها كشفت للناس شيئاً مهماً، هو أنه ليس بالضرورة أنك كلما سجلت أهدافاً كثيرة، زادت قيمتك في بورصة المرشحين للقب، وهو ما حدث للألمان حين سجلوا في مباراتي (انكلترا والأرجنتين) 8 أهداف كاملة (بعدد أرجل الأخطبوط)، وهو ما لم تحققه إسبانيا في مبارياتها الست، وهذا يعني أن رفاق أبو الهول (بويول) يقتصدون في الأهداف، ويصنعون الفرجة طيلة المباراة، وأثبتوا بأن إسبانيا الحائزة على كأس أوروبا قبل عامين، ما هي إلا محصلة تلاقح بين مدرستي أوروبا وأميركا اللاتينية، فهي تمنح الجماهير المتعة العالية، وتنهي ذلك بفوز قد لا يتجاوز الهدف الواحد، فالعبرة إذاً ليست في أن تحوز ماكنة لتفريخ الأهداف، إنما في ضمان الفوز في اللحظة الحاسمة، وهو ما تعلمه المشاركون في المونديال من الثيران الإسبانية، التي كانت ترفع من ضغط جماهيرها وتصيب بعضهم بالقرحة والسكري، لكنها تعطيهم في النهاية لحظة من السعادة، وقديماً قيل، لا ندم من اقتصد ولا خاب من استشار، والمشورة هنا جاءت من الهولندي المسكون بالروح الاسبانية يوهان كرويف حين قال لدل بوسكي: «أيها المحترم، إن أردت الكأس فالعب بطريقة برشلونة»، وهو ما كان، فابتهج الاسبان. أما الألمان الذين ظلوا يلاحقون الاخطبوط بول وتنبؤاته، فإنهم وقعوا في الفخ الذي نصبوه لرفاق ميسي، حين عبثوا بهم وتركوهم تائهين في الملعب، ويتمنون أن يعلن الحكم نهاية المباراة، ففضلاً عن منح بول الفوز للأسبان وهو ما أثار حفيظة المستشارة وجماهيرها واللاعبين، فإن لام ورفاقه بدوا وكأنهم نسخة عن الأرجنتين، لا يعرفون من أي الأبواب يذهبون إلى شباك كاسياس، ليخرج لوف مقتنعاً أن الأسبان هم الأقوى في العالم. لقد قلت قبل عامين إن كرة الإنكليز الباردة لم تعد تغري الناس بمتابعتها، وأن الدورة الكروية انتقلت إلى الأندلس، فانزعج مني عشاق أرسنال ومانشستر وتشلسي، وشنوا علي حملة واسعة، وذكرني بعضهم بذلك في المونديال الحالي بعد هزيمة إسبانيا أمام سويسرا، وقال لي أحدهم لم يبق للمدرب دل بوسكي إلا أن يوجه لك الدعوة لتسجل له أهدافاً، ولم يعلموا أنني سجلت عليهم أكثر من هدف، ولأن قناعتي راسخة، أن الكرة الأجمل هي التي تحقق الإبهار والانتصار معاً، وما دون ذلك، فهي حسابات صندوق النقد الدولي. ولأن الهولنديين معنيون بالنهائي، فيمكنني القول، إنهم يضعون حسابات للوصول إلى الكأس، من ذلك أنه لا اثنتان دون ثالثة، ولكن الوصول مرة أخرى لا يعني الفوز، ويقول بعضهم إنهم الحصان البرتقالي في الدورة، والبرتقالي هو لون معتقلي غوانتانامو، وهو منبوذ لدى منظمات حقوق الإنسان، الرافضة للنسيان، ولأن كرويف أعطى الوصفة السحرية لدل بوسكي، فماذا سيعطي لفان مارفيك؟ سيقول له «كان الله في عونك؟». [email protected]