تضج صنعاء بالمباني العالية، المشيدة بأسلوب حديث يستلزم وجود شرفات، على غرار عواصم العالم، لكنها بأي حال مختلفة، ليس لطراز بنائها، بل لجهة استغلالها. فالشرفات في العاصمة، وفي معظم مدن اليمن، ليست مكاناً حيوياً يمكنك أن تجد فيه جيراناً يتبادلون الحديث، أو رجلاً يرتشف قهوته الصباحية، أو امرأة تطل على الشارع العام، لكنك تجد غسيلاً منشوراً، أو «دشات»، وربما تلاحظ مجموعة مختلفة من أشياء اختار أهل البيت إيداعها «البلكونة» لعدم حاجتهم إليها. ذلك أن «الشرفة» ثقافة جديدة على المجتمع اليمني، وربما ثقافة غير معترف بضرورتها، كونها تتنافى والرؤية العامة لحياة المواطن، والقائمة على الخصوصية في كل ما يتعلق بالبيت وأهله. وعلى رغم جمال بنيانها، يخفي بعض اليمنيين شرفاتهم بأغطية، قماشية في الغالب، حرصاً منهم على حجب ما يدور خلفها عن المارة، ذلك في حال استخدامهم الشرفات كمساحات إضافية للغرف المطلة عليها، والتي توجد فيها النساء غالباً. وتقول أروى، ربة منزل: «نستخدم مساحة البلكونة لوضع الشولة (أنبوبة الغاز) والفرن كي لا يتلوث المطبخ بالدخان المتصاعد منه أثناء صناعة الخبز، لأجل ذلك عمل زوجي على تغطية البلكونة بالقماش كي نتحرك براحتنا». لكنها لا تنفي أن وجود الحاجز القماشي على الشرفة يمنحها منظراًَ سيئاً من الخارج، ويشوه المظهر العام للبناية الحديثة الطراز: «أكيد المنظر ليس جميلاً لكن ما العمل؟». وعلى رغم ذلك لا تفكر مطلقاً في مناقشة زوجها بشأن استغلال الشرفة في غير الطبخ. أمّا جارتها أسمهان، فتقول ان الوضع العام في اليمن فرض عليها استخدام الشرفات الثلاث لمنزلها بخلاف استخدامها المعروف، فالأولى التي تطل عليها غرفة النوم تستخدم لنشر الغسيل، والتي يطل عليها مجلس الضيوف مخصصة لعدد كبير من الدشات تملك العائلة منها اثنين والبقية للجيران، وحوافها الإسمنتية لأصص النباتات المنزلية. أما الثالثة فتقسمها أسمهان إلى قسمين، داخلي يستخدم مخزناً لأشياء التي لا تحتاجها الاسرة، وخارجي قريب من باب، عشاً للأرانب. هذا وضع شرفات اليمن، إما أماكن مهجورة لا تلاحظ فيها البشر، أو أن استغلالها يتم في غير ما تستغل فيه في مختلف دول العالم. وحتى في حال استخدامها لنشر الغسيل، فإن خروج المرأة لإتمام هذه المهمة يتطلب منها لباس الخروج الى الشارع، إذ يتوجب عليها أن تغطي رأسها وترتدي ما يستر كل جسدها. ربما هذا أكثر ما يزعج أسمهان التي تقول: «لا تسلم المرأة من التعليقات إذا خرجت بثياب البيت للبلكونة، لذا يتوجب علي أن ألبس البالطو، وغطاء الرأس، حتى وأنا أنشر الغسيل، وينطبق الأمر ذاته في حالة رغبتي في تنظيف الشرفة». ولا يقتصر عدم الافادة من الشرفة على النساء، إذ ان كثيرين من الرجال لا يمكنهم الوقوف على شرفات منازلهم لتنشق الهواء، بخاصة إن كانت مطلة على أحياء سكنية، لأن ذلك معناه، مهما بلغت براءته، «التلصص على حرمات الآخرين». ويقول محمد الذي يعمل في الإخراج الفني للمواقع الإلكترونية، انه نقل مقر عمله منذ مطلع العام الفائت ليتمكن من استغلال الشرفة في تناول الشاي بعد القات، ذلك أن المقر القديم كان يطل على حي سكني، وكان جلوسه هناك مع زملائه يخلق مشكلات مع ساكني الحي. ورغبة محمد في تناول الشاي بعد الغروب على الشرفة حدودها مكتبه، لأنه لا ينفذها في منزله للأسباب ذاتها: «بلكونات منزلي تطل على الجيران».