بعد عشرات السنوات من التكهنات، تتجه الانظار الى مرصد "غرافيتي" (الجاذبية) لحسم فرضية وجود ثقب اسود هائل الحجم في قلب مجرة درب التبانة التي تقع فيها مجموعتنا الشمسية. ومرصد "غرافيتي" الذي استغرق تصميمه اكثر من عشر سنوات، يجمع الصور التي تلتقطها من الفضاء اربعة تلسكوبات كبيرة منصوبة في صحراء اتاكاما في تشيلي، وبدأ العمل قبل بضعة اسابيع. وقال غي بيرين عالم الفضاء في مرصد باريس لوكالة "فرانس برس": "الهدف من غرافيتي هو اثبات وجود ثقب اسود في قلب مجرتنا". والثقوب السود هي اجرام فضائية ذات كتلة كبيرة جدا تجعل جاذبيتها قوية الى درجة ان الضوء نفسه لا يفلت منها. وهذه الكتلة عادة ما تكون مركزة في حجم صغير. والثقوب السود نوعان، الثقب الاسود النجمي الذي يتشكل عند انتهاء حياة نجم، وتمكن علماء الفضاء في الاسابيع والاشهر القليلة الماضية من التقاط موجات جاذبية عائدة الى انصهار ثقوب سود من هذا النوع ببعضها. والنوع الثاني هي الثقوب السود الفائقة الضخامة، مثل الذي سيعمل "غرافيتي" على التثبت من وجوده في قلب مجرتنا، وهذه الثقوب السود قد تكون ذات كتلة اكبر من كتلة الشمس بملايين او بلايين المرات. ويقول فرانك ايزنهاور المسؤول عن هذا المشروع "بدأت هذه النجوم السود تتشكل في وقت مبكر من عمر الكون، مع بدء تشكل المجرات... وهي تنمو منذ نحو عشرة بلايين سنة". وستتوجه اجهزة "غرافيتي" نحو قلب مجرة درب التبانة التي تقع فيها مجموعتنا الشمسية، بحثا عن ثقب اسود يفترض وجوده هناك، يطلق عليه العلماء اسم "ساجيتاريوس ايه" (القوس أ). يقع هذا الجرم على بعد 24 الف سنة ضوئية من شمسنا، وهو ذو كتلة اكبر من كتلة الشمس باربعة ملايين مرة، ولكن كل هذه الكتلة محصورة في حجم صغير. ويريد العلماء الان ان يتثبتوا ان هذا الجرم هو ثقب اسود بالفعل. وبلغت نفقات مشروع "غرافيتي" الاوروبي عشرة ملايين يورو، ويعمل فيه فريق دولي من العلماء والمهندسين والتقنيين، باشراف معهد "ماكس بلانك" للفيزياء الفضائية. ويقول غي بيرين: "ينبغي الجمع بين كل هذه المقدرات الذهنية للوصول الى نتيجة". وعلى رغم كل هذه الجهود والتقنيات، لا يتصور ان يحصل الانسان يوما ما على صورة للثقب الاسود، لان الثقب الاسود يبتلع كل شيء حوله بما في ذلك الضوء، فلا يمكن رؤيته او التقاط صورة له. ويقول بيرين: "سنحصل على صور للنجوم القريبة". وعدم الحصول على صورة لهذا الجرم يعني انه فعلا ثقب اسود. واتاحت الاجهزة السابقة مراقبة ومضات مرة كل 24 ساعة على ضفاف هذا الجرم. والآن، وبفضل "غرافيتي" سيعمل العلماء على تعقب حركة هذه الومضات وتحديد حجم "القوس أ". وبمقارنة المعلومات التي يجمعها التلسكوب مع تلك المعروفة اصلا عن الثقوب السود، يمكن معرفة ما ان كان هذا الجرم ثقبا اسود ام لا. وهذا الامر ليس الهدف الوحيد للمشروع، بل ان القيمين على المرصد سيختبرون صحة عدد من النظريات في ظل حقول مغناطيسية قوية جدا، وفقا لكارين بريو من مرصد غرونوبل في فرنسا. ويقول فرانك ايزنهاور: "سنعرف ما ان كانت نظرية النسبية العامة لالبرت اينشتاين تبقى صالحة في جوار الثقوب السود". ويضيف: "الجاذبية تحكم كل الكون، البحث عنها هو البحث عن حقيقة الوجود".