يقول الخبر: «بعدما كانت الكوفية البيضاء والمطرزة بالأسود تعتبر رمزاً للشعب الفلسطيني، تحولت مؤخرا إلى جزء من الموضة الإسرائيلية». لا تهمنا هنا الدلالات المباشرة التي أعطيت للخبر، والتي برزت أساسا في التعليقات الكثيرة التي كتبت على هامش صيغته الالكترونية، فدارت أساسا حول تطاول الكيان الصهيوني للاستيلاء حتى على الرموز، كما تعلقت بأصول الكوفية، وتساءلت عما إذا كانت تحمل اسم المكان الذي صدرت عنه أم هي «ذات أصل فلسطيني قح»؟. لا تهمنا هنا «الأصول المؤسسة»، وإنما تلك التي تأسست و»تأصلت». فلنقل انه ابتداء من ستينات القرن الماضي استطاع المرحوم ياسر عرفات أن يجعل من الكوفية «رمزا للنضال الفلسطيني»، فغدا ارتداؤها انخراطا في ذلك النضال ومؤازرة للثورة وأبطالها. وهكذا صارت الكوفية «أيقونة» الثورة. قبل أن ينقل خبر انتشارها كموضة اسرائيلية، لاحظنا بعد الحرب على غزة انتشارا غير معهود لتلك الأيقونة، رأيناها في شوارع كثير من العواصمالغربية، بل أخذنا نلحظها في التجمعات الحزبية في كثير من البلدان العربية حتى وان كان موضوع التجمع بعيدا من القضية الفلسطينية، بل إننا صرنا نراها حتى داخل قبة البرلمانات، وفي رحاب الجامعات... حدث للكوفية ما كان قد حدث لكثير من أيقونات القرن الماضي التي «سرقها» الإعلام من السياسة. ولعل أبرز ما يخطر ببالنا في هذا السياق ما تعرضت له صورة تشي غيفارا. وبالفعل، يمكن اعتبار هذه الصورة مثالا بارزا على التحول الذي يحدثه مجتمع الإعلام على الأيقونة ليجعل منها مجرد لوغو. ذلك أن صورة «تشي» التي ظلت لمدة غير يسيرة تعتبر في أنحاء مختلفة من العالم «صورة البطل الثوري» بلا منازع، سرعان ما تحولت إلى صورة اشهارية إعلامية تزين الملابس وأغلفة الألبومات الموسيقية. كانت الكوفية، مثلما كانت صورة تشي، «أيقونة»: أي صورة تفتح على خارج، وتحيل إلى نموذج أعلى، إلى مَثَل، إلى الثورة، إلا أنها سرعان ما غدت «لوغو»: صارت منغلقة على ذاتها، لا تحيل الا الى نفسها، غدت موضوعا يقحم في دوامة إعلامية تقذف به أدوات الاتصال في مسلسل لخلق الرغبات لا يأبه بدلالات، ولا يرتبط لا بتاريخ ولا بقيم، اللهم قيم الاستهلاك التي تفرضها مُوَض اللباس والأغاني. وهكذا انتصر الاقتصادي على السياسي، وتحولت الصورة إلى شعار وعلامة، وصارت «الأيقونة» مجرد «لوغو». * كاتب وجامعي مغربي.