لم تكن الحوادث التي حصلت بين قوات الأممالمتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان (يونيفيل) وبين بعض الأهالي في بعض القرى، لتأخذ هذا الضجيج، لو لم تكن هناك مخاوف من أن يؤدي سياق الأحداث، والظروف الإقليمية المحيطة بأوضاع الجنوب، الى رفع الغطاء الدولي عن هذه المنطقة من لبنان التي شهدت حروباً ومآسي منذ السبعينات. وهو الغطاء الذي يحول دون تجدد هذه الحروب. وليست الصدامات المحدودة بين «يونيفيل» وبين «بعض» الأهالي، كما أصر على القول الممثل الخاص للمنظمة الدولية في لبنان مايكل وليامز (بتشديده على كلمة بعض) هي مصدر هذه المخاوف. فالاستنفار اللبناني – الدولي الذي أعقب تلك الحوادث والضجة التي أثارتها كفيلان بمعالجة تداعياتها إن على الصعيد السياسي أم على الأرض، كما أظهرت الأيام الأخيرة. لكن ما تشهده المنطقة من توتر هو وراء هذه المخاوف، بدءاً من تصاعد العقوبات على إيران، من دولية، الى إجراءات أكثر صرامة من جانب الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، مروراً باستمرار الحركة غير المثمرة لاستئناف مفاوضات السلام على المسار الفلسطيني، وصولاً الى الحديث عن قرب صدور القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري. ومع أن لا دلائل صلبة يمكن الاستناد إليها للربط بين هذه العناوين الإقليمية الكبرى (العقوبات – تعثر استئناف المفاوضات – المحكمة...) وبين ما حصل مع «يونيفيل» في الجنوب، فإن ما أثار المخاوف من أن يكون هذا الذي حصل مقدمة لرفع الغطاء الدولي عن الجنوب، أي بما يتجاوز توجيه الرسائل المتعلقة بالعناوين الثلاثة هذه أو بأحدها، هو أن الهاجس المستمر من احتمال قيام حرب ضد لبنان وعليه، على رغم استبعاد معظم الدوائر المعنية لهذا الخيار خلال هذه المرحلة، يتطلب التهيئة له عبر التحضير لرفع هذه المظلة الدولية عندما يحين وقت هذا الخيار المكلف. وعليه فإن الضغط على «يونيفيل» لا يقتصر على «بعض» الأهالي في الجنوب، بل هو يبدأ من الجانب الإسرائيلي الذي يخرق القرار 1701 يومياً، ويرفض التقدم خطوة في موضوع الانسحاب من مزارع شبعا، ويحوّل موضوع الانسحاب من شمال قرية الغجر الى لعبة لإلهاء المسؤولين الدوليين ولبنان منذ 4 سنوات، ويغرق «يونيفيل» في المقابل بالتقارير عن وجود صواريخ جنوب الليطاني ومخازن أسلحة وبنية تحتية قتالية ل «حزب الله» لخلق مناخ يوحي بأنها غير قادرة على تطبيق القرار الدولي ومعالجة الخروق التي يرتكبها الطرف المقابل، لتبرير خروق إسرائيل في وقت يتربع على وزارة الدفاع فيها رجل اعتبر منذ سنوات أن القرار 1701 بلا فائدة. ومع أن المسؤولين الإسرائيليين يكررون أن لا نية لديهم للهجوم على لبنان كلما جاءت موجة من موجات ارتفاع المخاوف، فمما لا شك فيه أن إفقاد «يونيفيل» صدقيتها عبر مواصلة الضغط عليها هو مقدمة لرفع غطائها عن الجنوب عندما يرجح خيار الحرب. وفي المقابل فإن ما حصل بين «بعض» الأهالي، وبين «يونيفيل» يقود موضوعياً الى إفقاد الأخيرة صدقيتها وهيبتها ويكرس عجزها عن تطبيق القرار الدولي. وإذا كان الخلاف وقع بين الجيش اللبناني وبين قيادة «يونيفيل» على طبيعة التمرين الذي قامت به آخر الشهر الماضي، وأدى بحسب اعتقاد الدول المشاركة في القوات الدولية، الى تحريك «حزب الله» ل «بعض» الأهالي، فإن النتيجة العملية كانت «تمريناً» مقابلاً على الأرض قضى بانتشار مضاد عند مثلث بئر السلاسل في الجنوب والقرى المحيطة، قرأ فيه المسؤولون الدوليون إشارات الى إمكان قطع أوصال الطرق التي تصل بين وحدات «يونيفيل» المتعددة، وهذا ما جعل «يونيفيل» وجميع المسؤولين المعنيين في الدول المشاركة فيها وفي الأممالمتحدة يشددون في تصريحاتهم على ضرورة احتفاظها ب «حرية الحركة». لقد لامس ما حصل في الجنوب، بهذا المعنى مخاطر التمهيد لرفع الغطاء الدولي عن الجنوب، لكن من الجهة اللبنانية هذه المرة، لأنه يدفع الدول المشاركة في وحدات القوات الدولية الى التفكير بجدوى وجودها، إذا كانت الثقة مهتزة بينها وبين الجيش وبينها وبين بعض الأهالي وإذا كانت تلمس أن السلطة السياسية في البلد لا تستشعر مرامي ما يحصل... إن ما حصل تمرين للجميع. والأهم فيه هو أن يكون «البعض» قد انتبه الى أن أكثرية الأهالي شعرت بخطر ملامسة رفع الغطاء...