الزمن الفاصل بين اندلاع حرب العراق وظهور أول الأفلام السينمائية الأميركية عنها، أقصر كثيراً من الزمن الذي فصل بين اندلاع الحرب الأميركية في فيتنام وظهور أول الأفلام الهوليوودية التي احتجت في معظمها عليها، واقفة في صف الشعب الفيتنامي ومتسائلة دائماً: لماذا نقتل أبناءنا هناك؟ وطبعاً يمكن المرء أن يكتب دراسات طويلة حول هذه الظاهرة. وربما انطلاقاً من سرعة تناقل الأخبار والصور في زمننا الراهن، مقارنة مع ما كان يحدث قبل نحو نصف قرن حين كان أي شيء يحدث في فيتنام يحتاج إلى زمن أطول كي يصل إلى العالم وإلى أميركا بخاصة، مع العلم أن الاحتجاج الأميركي ضد حرب فيتنام لم يبدأ حقاً إلا حين بدأت توابيت الجنود الأميركيين القتلى تصل إلى أرض الوطن مكللة بالأعلام الأميركية، بينما نعرف تماماً أن الاحتجاج الأميركي الحقيقي ضد حرب العراق بدأ فوراً، وربما أيضاً انطلاقاً من ذكرى التوابيت الآتية من فيتنام، قبل ذلك بعقود. ومن هنا كان على السينما أن تطارد مواضيعها بسرعة. وما في فيلم «لعبة عادلة» سوى حلقة جديدة عن الحرب العراقية، تأتي بعد سنوات حقق فيها عدد كبير من الأفلام، التي ربما غاصت في راديكاليتها السياسية أكثر كثيراً، وأبكر كثيراً مما كانت الحال بالنسبة إلى سينما الحرب الفيتنامية. بيد أن رصد هذا الأمر لا يمنعنا، من إبداء ملاحظة لافتة هنا تتعلق بواقع أن سينما حرب فيتنام أنتجت ما يمكن اعتباره اليوم تحفاً سينمائية يعتبر بعضها من أعظم ما حققت السينما في تاريخها، نقول هذا ونفكر بأعمال مثل «يوم الحشر الآن» لفرانسيس فورد كوبولا، و «صائد الغزلان» لمايكل تشيمنو، و «سترة معدنية كاملة» لسنانلي كوبرك وعشرات غيرها من أفلام ربما يبدو بعضها للوهلة الأولى بلا أي علاقة مباشرة بتلك الحرب («سائق التاكسي» لمارتن سكورسيزي امتلا). أما حرب العراق فإنها لم تنتج حتى الآن أية تحفة سينمائية حقيقية في السينما الأميركية، بل من الصعب حتى أن نعثر من بين أفلامها على أعمال تلفت في جودتها، حتى وإن كنا من الناحية السياسية نلاحظ أن كل هذه الأفلام تقريباً أتت معادية في شكل مباشر أو أقل مباشرة للسياسات الأميركية، بحيث يصعب أن نعثر على فيلم يناصر مواقف البيت الأبيض في تلك الحرب. غير أن ما يجدر بنا ملاحظته حقاً هو أنه فيما كان معظم أفلام حرب فيتنام يناصر الفيتناميين بكل وضوح، واصلاً أحياناً إلى تصوير بطولاتهم وشجاعاتهم، مقابل إطلاله على الموقف الأميركي الليبرالي المناهض للسياسات الأميركية هناك أو المدافع عن حق الجنود الاميركيين في عدم الرغبة في خوض الحرب، نجد الأفلام الاميركية عن حرب العراق، مكتفية تقريباً بأن تعلن الموقف الضد من السياسات الاميركية، من دون أن تجد ما يدفعها إلى أي تعاطف مع الطرف الآخر في الحرب: من نظام صدام حسين، إلى «المقاومة» التي يجمع الاميركيون – سلطويون أو غاضبون منشقون – على وصفها ب «الإرهابية» – وربما في هذا الواقع – الذي تعبر عنه أفلام مميزة، نسبياً، مثل «خرانة الأسى» و «ثلاثة ملوك» و «في وادي إلاه» ما يفسر تضاؤل أهمية أفلام حرب العراق، نسبة إلى أهمية أفلام حرب فيتنام، فما يفرق بين الحالين هو الوضوح السياسي المتقابل. إذ بينما أتت صورة حرب فيتنام واضحة، في التقابل بين حق كامل (الحق الفيتنامي) يمكن الدفاع عنه درامياً وتبريره، وباطل كامل (الباطل الأميركي) يصعب ذرف دمعةِ إشفاقٍ عليه، أتت صورة حرب العراق، ولا تزال تأتي، مرتبكة مبهمة غير مقنعة طالما أن الطرف المقابل – في تلك الحرب – للطرف السلطوي والعسكري الأميركي، لا يحظى بأي تعاطف.