تبرز ألمانيا كجزيرة نمو في محيط راكد في منطقة اليورو إلى حدّ كبير، في وقت تشهد دول أوروبية عدة عودة الانكماش الاقتصادي، إذ ارتفع مؤشر الاستهلاك في قطاع الخدمات في ألمانيا من 60 إلى 61.6 نقطة، فيما تراجع في كل من فرنسا وإسبانيا. والصورة بدت مماثلة في مؤشرات هامة أخرى تتعلق بنمو الاقتصاد في بلدان أوروبا، مثل حجم الطلب على السلع، أو حجم الإنتاج الصناعي فيها. ويرى كبير خبراء «دويتشه بنك» توماس ماير، أن ألمانيا تسير هذه السنة على طريق الحصول على لقب «بطلة النمو في منطقة اليورو». وأشار محللون في تصريح الى صحيفة «فايننشال تايمز دويتشلاند» الاقتصادية الألمانية، أن الضمور الحاصل في اقتصادات الدول التي تتعامل بالعملة الأوروبية الموحدة، لا أثر له في ألمانيا على الإطلاق، مؤكدين خروج شركات صناعة السيارات الألمانية من أزمتها، اذ تعمل حالياً ليل نهار، لتلبية الطلب. ولا تبدو هذه الصورة مغايرة في قطاع الصناعة الكيماوية، والآلات والبناء على سبيل المثال لا الحصر، حيث استعاد حجم الإنتاج مستواه الذي سبق أزمة المال والاقتصاد الدولية قبل نحو عامين. وعلّق رئيس مجموعة «لانكسس» الألمانية الضخمة أكسل هايتمان على ذلك بالقول: «لألمانيا كل الأسباب لتكون متفائلة». وينطلق مصرف «كوميرتس بنك» من أن النمو الاقتصادي المتوقع حصوله في ألمانيا هذا العام سيبلغ 5.2 في المئة. وذكر كبير خبراء بنك «سوسييتيه جنرال» كلاوس بادر، أن الرقم هذا سيكون أعلى من متوسط النمو الذي سيتحقق داخل منطقة اليورو، التي تضم 16 دولة. ويشير اقتصاديون كثر إلى أن قصة النجاح الألماني «ترتكز في الدرجة الأولى على الطلب القوي جداً الآتي من خلف البحار»، خصوصاً آسيا التي حلّت في الوقت الراهن محل أوروبا في هذا الصدد. ومعروف أن ألمانيا كانت تصدر سنوياً نحو 60 في المئة من إنتاجها إلى أوروبا، لكن الميزان انقلب الآن في اتجاه الدول الآسيوية، في مقدمها الصين وكوريا الجنوبية. وفقاً لكلام ماير، تجني الشركات الألمانية حالياً ما زرعته في السنوات الماضية من استثمارات وعلاقات في بلدان آسيا، التي لا تزال تشهد موجة عارمة من النمو. إضافة إلى ذلك، وبفضل التحسن الذي تشهده سوق العمل الألمانية وتراجع البطالة المستمر، تشهد البلاد نمواً داخلياً يتمثل في حركة استهلاك المواطنين المرتاحين إلى ديمومة عملهم. ولفت كبير خبراء النمو في معهد «إيفو» للبحوث الاقتصادية في ميونيخ كاي كارستنزن، إلى أنه لا يجد حالياً دولاً أوروبية أخرى تتمتع بموقع جيد مماثل لموقع ألمانيا. ومع ذلك لا يصل الخبراء والمحللون إلى حدّ القول بأن الاقتصاد الألماني النامي قادر على أن يكون قاطرة للنمو الأوروبي، والسبب في ذلك أن معدّل الاستهلاك في ألمانيا «ليس بالحجم المطلوب لكي يلعب الاقتصاد الألماني دوره التقليدي في منطقة اليورو» بحسب كبير خبراء مصرف «غولدمان زاكس» ديرك شوماخر. ويبقى السؤال حول مدى قدرة الاقتصاد الألماني على فك ارتباطه ببقية دول منطقة اليورو الضعيفة. وفي هذا المجال يعتقد معظم الخبراء أن وتيرة النمو الألمانية ستتراجع ابتداء من العام المقبل على أبعد تقدير، لكن بفضل الحاجة إلى تنفيذ خطة تقشف محدودة قد تتمكّن المانيا من الحفاظ على موقعها المتقدم على الدول الأوروبية الأخرى.