أوحت تصريحات مسؤولين إسرائيليين كبار بأن الاجتماع الذي تم أول من أمس في البيت الأبيض بين الرئيس باراك اوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، مهّد الطريق أمام مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تنطلق قبل أواخر أيلول (سبتمبر) المقبل، موعد انتهاء فترة تعليق البناء في مستوطنات الضفة الغربية. ولمّح وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك انه في حال استئناف المفاوضات المباشرة، فإن إسرائيل لن تستأنف البناء في مستوطنات الضفة بعد انتهاء فترة تعليقه. في الوقت نفسه، أبدت أوساط نتانياهو ارتياحها لنتائج الاجتماع، وأشارت تحديداً إلى تجديد التفاهمات بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل في شأن مواصلة سياسة الغموض النووي. وقال باراك في مقابلات إذاعية أمس إنه في حال دخلت إسرائيل والسلطة في مفاوضات جدية فإن «سائر العقبات التي يمكن أن تعترض المفاوضات ستأخذ سياقاً آخر». واعتبر أن النتيجة الرئيسة التي تمخض عنها لقاء اوباما – نتانياهو، بناءً للمحادثة التي اجراها مع نتانياهو أمس، هو تكثيف المحاولات المبذولة للدخول في مفاوضات مباشرة قبل انتهاء فترة تعليق البناء. وأضاف ان الاجتماع «حرّك عملياً من جديد عملية المفاوضات»، متوقعاً استئنافها في غضون أسابيع وقبل انتهاء فترة تعليق البناء في مستوطنات الضفة أواخر أيلول (سبتمبر) المقبل. وتابع: «بالتأكيد نحن في الطريق إلى استئناف المفاوضات ... هذه خطوة بالغة الأهمية، ثمة أمل متجدد ... وأرجو أن يتجاوب الفلسطينيون معه وننطلق نحو المفاوضات». وزاد مستدركاً انه يجب الحذر «لأن الطريق لتحقيق ذلك طويلة وخطيرة، ونتوقع مداً وجزراً وصعوبات». وأضاف: «أرجو أن تكشف الأسابيع المقبلة متى وأين وبأي مستوى ستجري هذه المفاوضات». ورداً على ادعاءات إسرائيلية بأن الاستقبال الحار لنتانياهو كان مصطنعاً فيه الكثير من الرياء، قال باراك إنه لا يعتقد أن اوباما ونتانياهو معنيان بمثل هذا اللقاء «فقط من أجل مسرحية تعرض أمام الكاميرات». وتابع: «يبدو أنه قيلت أمور كثيرة في الاجتماع ساهمت في الأجواء الدافئة، وأعتقد أن ما نشر أقل بكثير مما كان فعلاً». ولاحقاً قال باراك خلال لقائه ثلاثة أعضاء من مجلس الشيوخ الأميركي، كلاماً مماثلاً، مضيفاً أن الاجتماع في البيت الأبيض كان ناجحاً «وثمة فرصة جيدة بأننا على عتبة مفاوضات مباشرة ستنطلق خلال أسابيع». من جهته، اعتبر الرئيس شمعون بيريز ان الاجتماع «يشكل بداية جدية للغاية لاستئناف المفاوضات، وبعد فترة من مراوحتها ثمة شعور بأن عملية السلام جمعت قواها من جديد». اما وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، فقال إن قضية البناء في مستوطنات الضفة لم تكن في صلب المحادثات بين نتانياهو واوباما. ورداً على التكهنات بأن نتانياهو التزم عدم استئناف البناء من دون الإعلان عن ذلك على الملأ تفادياً لضغوط من معسكر اليمين المتشدد في حكومته، قال ليبرمان إن «المعادلة المقبولة على الحكومة تقضي بوجوب ضمان حياة طبيعية للمستوطنين... لا نريد بناء مستوطنات جديدة لكن لا يمكن تجميد حياة المستوطنين الذين أرسلتهم حكومات إسرائيل المتعاقبة إلى المستوطنات وعدم بناء مدارس أو مؤسسات عامة أو كنس». وأضاف أنه يؤيد الانتقال إلى المفاوضات المباشرة «من أجل إبقاء العملية السياسية على قيد الحياة... الحوار مهم... لكن ما أقوله هو إنه ليس واقعياً حل الصراع خلال عامين، هذا غير واقعي». إلى ذلك، أبدت أوساط حزب «ليكود» الحاكم ارتياحها لنتائج اللقاء، وقال النائب اوفير أكونيس القريب من نتانياهو إن اللقاء أكد من جديدة العلاقات المتميزة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، «وتبددت كل الادعاءات عن شرخ وعزلة، وتأكد أن الدعم الأميركي لإسرائيل لا يتزعزع». وقال النائب المتشدد داني دانون إن «اوباما يفهم اليوم ان لغة لي الذراع لا تجدي مع إسرائيل... نتانياهو حصل على تفويض من الشعب ليحقق السلام الآمن لا مجرد اتفاق لا معنى له... ليكود لن يسمح بمواصلة تجميد البناء حتى في حال استئناف المفاوضات المباشرة». وتصدرت حفاوة الاستقبال لأوباما وعقيلته في البيت الأبيض عناوين الصحف العبرية التي أبرزت تجنب اوباما ونتانياهو الرد المباشر على السؤال عن مصير تعليق البناء في مستوطنات الضفة. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن نتانياهو قوله لمعاونيه بعد لقائه اوباما إنه تم حل هذه المسألة بقوله (لاوباما): «إنه عندما ترى لافتة تحذّر من وجود ألغام في الحقل، لا يتم الدخول إليه بل البحث عن مسلك آخر للخروج». وبحسب مصدر أميركي تحدثت إليه الصحيفة، فإن اوباما ونتانياهو اتفقا على ألا يفاجئ الأخير واشنطن في مسألة البناء في المستوطنات في الضفة. سياسة الغموض النووي إلى ذلك، أبدت أوساط نتانياهو ارتياحها لتصريحات الرئيس الأميركي بأن الولاياتالمتحدة تتفهم حاجات إسرائيل الأمنية الخاصة والمعقدة «والولاياتالمتحدة لن تطلب أبداً من إسرائيل القيام بأي خطوة من شأنها أن تمس بأمنها وتمس بمصالحها الأمنية». وفسرت هذا الكلام دعماً أميركياً لسياسة الغموض النووي التي تنتهجها إسرائيل، ورفضها مطالب دول عربية وغيرها بإخضاع منشآت إسرائيل النووية لرقابة دولية والتوقيع على معاهدة حظر نشر الأسلحة النووية. ووفقاً للإذاعة العسكرية، تلقت إسرائيل وثيقة أميركية تؤكد مواصلة التفاهمات الأميركية – الإسرائيلية منذ 40 عاماً القاضية بدعم الولاياتالمتحدة الدولة العبرية في انتهاج سياسة الغموض النووي والتصدي لمحاولات دولية تسعى الى إرغام إسرائيل على الكشف عن قدراتها النووية. وكتبت صحيفة «إسرائيل اليوم» المحسوبة بوقاً إعلامياً لنتانياهو، ان نجاح الزيارة انعكس في اربعة تصريحات للرئيس الأميركي، اثنان سياسيان هما: دعم الولاياتالمتحدة موقف نتانياهو بوجوب الانتقال لمفاوضات مباشرة، وإعلان أميركي قاطع الوضوح بأن لا تغيير في موقف الإدارة الأميركية من سياسة الغموض النووي التي تنتهجها إسرائيل. وأضافت أن التصريحين الآخرين يتعلقان بتأكيد اوباما أن علاقاته مع نتانياهو جيدة وأن لا أزمة بينهما، والآخر أن مسألة تعليق البناء من عدمه، «وهي مسألة حساسة بالنسبة الى نتانياهو» لم تكن في صلب الاجتماع. وقال مصدر قريب من نتانياهو إنه كان واضحاً للجانبين الأميركي والإسرائيلي ان الدخول في قضية كهذه «مثله مثل دخول حقل ألغام، وأنه من ألأفضل تفادي ذلك». وقالت أوساط نتانياهو للصحيفة إن الأخير أوضح للرئيس الأميركي بأن إنهاء الصراع ممكن فقط من خلال مفاوضات مباشرة، وأنه «يجب جمع كل المسائل والبحث فيها كلها... يجب طرح مسألة إنهاء الصراع على الطاولة وليس فقط البحث في القضايا الجوهرية للصراع... نريد أن نضمن بأن يكون أي اتفاق هو إنهاء للصراع وللمطالب الفلسطينية». ورأى المعلق في «إسرائيل اليوم» درور ايدر ان الاستقبال الحار لنتانياهو «الذي لم يخلُ من رياء أميركي» نجم عن الانتقادات الشديدة التي وجهت الى الرئيس الأميركي «على خلفية تعامله السيئ مع حليف الولاياتالمتحدة الوحيد في الشرق الأوسط»، فضلاً عن حاجته لهذه الصور (الاستقبال الحار) أكثر من حاجة نتانياهو لها، «فالانتخابات النصفية على الأبواب، والاستطلاعات تتنبأ بهزيمة للديموقراطيين. ويبدو ان الرئيس الأميركي متعلق بالكونغرس المؤيد لإسرائيل وبناخبيه الذين أدار له بعضهم ظهره بسبب سياسته الباردة والمتعجرفة مع إسرائيل». وكتب المعلق السياسي في «هاآرتس» ألوف بن ان نتانياهو حقق نجاحاً كبيراً في مواجهته الضغط الأميركي من دون تقديم تنازلات جدية. وأضاف أن نتانياهو «نجح في حشد تأييد الأحزاب الأميركية له ولم يعرض ائتلافه اليميني إلى خطر... غادر البيت الأبيض من دون أن يقول كلمة تغضب المتشددين في حكومته وقادة المستوطنين، فيما سيحول العناق الرئاسي دون انسحاب حزب العمل الوسطي من حكومته بداعي أن نتانياهو لا يدفع العملية السياسية... لكن مع ذلك على نتانياهو الحذر من أن تتخلى الولاياتالمتحدة عن سياسة الجزرة الحالية وتعود إلى سياسة العصا في حال لم يثمر الكلام المنمق نتيجةً». وقال نتانياهو امس ان اسرائيل مستعدة لاتخاذ خطوات اضافية لتسهيل حركة الفلسطينيين في الضفة في محاولة لإقناع الرئيس محمود عباس بالدخول في مفاوضات مباشرة. كما تحاشى الرد على سؤال طرح عليه في برنامج «صباح الخير يا أميركا» الذي تذيعه شبكة «ايه. بي. سي.» ان كان مستعداً لتمديد وقف مدته عشرة أشهر للبدء في عمليات بناء جديدة بمستوطنات الضفة.