بعد أربعة أشهر من الانقطاع عن استنشاق رائحة تراب الوطن؛ عاد معي أسفي الكبير وأنا أدخل مطار الملك خالد الدولي في الرياض في زيارة قصيرة تمنيت فيها أن أرى الأمور بشكل أفضل، النتيجة اللازبة التي تلاحقنا أننا خارج التاريخ وضد حركة العصر حتى في المطارات. منذ أن تطأ قدماك أرض المطار تعرف جيداً أنك في مطار يعاني من تقهقر مستوى النظافة، وضعف التنظيم، وسوء التزام الناس بالنظام المزعوم، حتى الإضاءة مستفزة ومحزنة وأنت تدخل إلى المطار، بعض السلالم الكهربائية معطّلة، يستقبلك المتسوّلون على بوابة صالة القدوم يطلبون إيصالك على سياراتهم، وموظف الجوازات يبتزّك بنظراته الشرسة البائسة، ويضطرب الناس - كل الناس - لمرور مسؤول، أو لعطر امرأة. في الرحلة الثانية الداخلية إلى مدينة سعودية بحثتُ عن موظف الخطوط الجوية السعودية، وجدت مكتبه فارغاًً، وحينما سألت عنه زميله، وعن سبب خلوّ المكتب من الموظف المختص، قال زميله إن الموظف ربما يكون في فترة الغداء، انتظرت قليلاً جاء زميله وبيده سيجارة مضيئة، قلت له: تدخّن؟ مجلس الوزراء قبل أيام منع التدخين في المطار! مكتبه على يسار صالة الفرسان الداخلية المدججة برائحة القهوة وأصناف التمور. وقف الناس أكثر من ساعة، رجالاً ونساءً، وهذا الموظف يتبختر حاملاً سيجارته من ممرٍ إلى آخر، إنه مسؤول مكتب ترقية الدرجة، وكل موظف «يغطي» على زميله الآخر، وما إن تسأل أحداً عن زميله في الخطوط حتى يخترع لك عذراً، وهو يرفع أكمامه متوجهاً إلى المواضئ استعداداً لآداء الصلاة، أرأيتم خصوصية التدين العجيبة! لفت نظري مستوى الأدب لدى الموظف المختص بوزن الحقائب قبل الدخول إلى صالة البوابات، شاب صغير غرّ يصرخ بوجوه الكبار والصغار، الرجال والنساء، وهو في حال اغتباط وانتشاء بهذه المسؤولية، وطابور طويل لمهمة تستلزم السرعة والخفّة في آداء العمل. بعد وصولي إلى مطار إقليمي بحثتُ عن حقيبتي التي وضعت في الشحن، وحينما سألتُ عنها قالوا لي: ذهبت إلى بيشة! بينما وصلتُ أنا إلى القصيم، بيشة مدينة من وطني، لكنني لم أزرها، ولا أخطط لزيارتها، مع ذلك ذهبت الحقيبة إلى بيشة، بسبب خطأ من موظف من الخطوط السعودية دفعها إلى هناك. وجدت كثيرين غيري على مكتب الأمتعة يشتكون من الفوضى التنظيمية، رأيت الكثيرين يبحثون عن حقائبهم، وأعترف أن المسؤولين في مكتب الأمتعة في مطار القصيم كانوا على مستوى المسؤولية، تواصلوا معي على مدى يومين حتى عادت الحقيبة التي ضمت بالمصادفة أجهزة وأدوات وسلعاً ثمينة، كما أخبروني عن سوء تعامل المسؤولين الذين تعاملوا معهم في بيشة وفي الرياض. ليست المسألة أن تفقد حقيبة أو تجدها؛ المشكلة أن الخطوط السعودية ما لم تمرّ بحال تصحيح كاملة ملموسة سيظلّ الناس يشتكون منها، قبل أيام رأينا تجاهل الخطوط لحجز المفتي: عبدالعزيز آل الشيخ، مع كبر سنه، لم يحترموا سنه فضلاً عن منصبه ومكانته. أظنّ أن بوابة الحل تكمن في إعادة تأهيل بعض الموظفين الذين تحولت الخطوط بالنسبة لهم إلى مجرد «مؤسسة للضمان اجتماعي»! [email protected]