أعرب مدير قسم السياسة الخارجية، نائب رئيس معهد «بروكينغز» مارتن انديك عن تفاؤله بمسار عملية السلام في الشرق الأوسط لأسباب عدة، أبرزها ادراك تل أبيب بضرورة تقديم تنازلات لتحسين علاقتها مع واشنطن وموقعها الدولي، ومن جهة أخرى المظلة الاقليمية الضامنة لجهود الرئيس محمود عباس. وذكر أنديك، المسؤول والمفاوض السابق خلال ولايتي بيل كلينتون، أن زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الى واشنطن تهدف للاتفاق على اطار لطرح قضايا الحل النهائي في المفاوضات مع الفلسطينيين ودرس امكان تمديد فترة تجميد الاستيطان، وشدد على ادراك زعيم الليكود بعد مرحلة شد الحبال مع واشنطن بأنه «لا يمكنه التذاكي على (الرئيس باراك) أوباما» وأن هناك حاجة متبادلة من الزعيمين لبعضهما لانجاح المحطات المقبلة. أنديك، المفاوض الأميركي البارز من أوسلو الى كمب ديفيد، أكد في حديث الى «الحياة» أن زيارة نتانياهو الرابعة الى واشنطن تختلف عن سابقاتها، وتتوج مرحلة أفضل في العلاقة بين البيت الأبيض وزعيم الليكود انعكست في بروتوكولات وترتيبات الزيارة. اذ فيما طغى التعتيم الاعلامي على اللقاءات السابقة، والتي جاءت مقتضبة أيضاً، تستمر القمة أكثر من ساعتين وسيتخللها غداء ومؤتمر صحافي. كما يمكث نتانياهو في مقر بلير هاوس المخصص لحلفاء واشنطن حيث سيجتمع بوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس. وحتى السيدة الأولى ميشيل أوباما دخلت على خط الديبلوماسية الجديدة مع اسرائيل باستضافتها نظيرتها سارة نتانياهو خلال لقاء الجانبين. أما عن مضمون الزيارة، فيشير أنديك الى أنه سيكون محوري، إذ سيتركز البحث بين أركان الادارة ونتانياهو في اطار «قضايا الحل النهائي التي سيتم تداولها في المفاوضات المباشرة». ويرى أنديك أن لقاء أوباما مع نتانياهو بعد أسبوعين من لقاء الرئيس عباس هو للحصول على تصور الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني لقضايا الحل النهائي، والبناء على أساسها شكل الوساطة الأميركية، خصوصاً لجهة الحصول على تنازل بتمديد تجميد الاستيطان الذي ستنتهي مدته في أيلول (سبتمبر) المقبل. أما من الناحية الظاهرية، فيشير أنديك الى أن السبب الثاني للزيارة فهو لتحسين العلاقة بين الزعيمين. ويقول: «ان العلاقة بين الرجلين (أوباما ونتانياهو) أحاطتها السموم» في الفترة الأخيرة، خصوصاً في ضوء التشنج الذي طبع زيارة نتانياهو الأخيرة الى البيت الأبيض في آذار (مارس) الفائت، والخلاف المتراكم حول أزمة الاستيطان في القدسالشرقية. الا أن أنديك ينوه بحاجة متبادلة بين كل من الزعيمين للآخر ويقول: «ان نتانياهو يريد ويحتاج دعم الرئيس (أوباما) في شأن التهديد الايراني المتنامي ضد اسرائيل، وحتى عندما تواجه تل أبيب أزمة دولية بحجم أزمتها مع تركيا اليوم». ويضيف ان أوباما «يحتاج رئيس الحكومة الاسرائيلي لتحقيق هدفه في مسار السلام في الشرق الأوسط». ويشدد أنديك على أن الجانبين «لا يمكنهما الوصول لأهدافهما من دون العمل معاً»، مشيراً الى انهما توصلا اليوم الى قناعة «بأن بامكانهما الوصول الى تفاهم حول كيفية العمل سوياً». ويوضح أن أوباما ثبت قدميه في الأشهر الأخيرة أمام زعيم الليكود، مشيراً الى «مراجعة نتانياهو الحصار على غزة وتبني حل الدوليتن وتجميد الاستيطان في الضفة الغربية وضمان عدم حدوث أعمال تحريضية في القدسالشرقية ولو أنه لم يعلن عن ذلك» فهذه جميعها خطوات جاءت «لتكشف من له التأثير الأكبر في هذه العلاقة». وأكد أنديك أن من مصلحة الجميع، بمن فيهم العرب، أن يأتي التأثير الأميركي على اسرائيل بثمار ايجابية ومن دون أن تكون العلاقة في مرحلة شجار مستمر. وتوقع أنديك «اجتماعاً فيه ابتسامات أعرض وكيمياء أكبر» بين نتانياهو وأوباما، وخصوصاً مع بدء المفاوضات غير المباشرة والتوصل الى مسودة مشروع عقوبات حول ايران، والتي تضمن مناخاً مختلفاً للزيارات السابقة. وعن توقعاته بنجاح أوباما في إقناع نتانياهو بتقديم تنازلات للانطلاق الى المفاوضات المباشرة، يؤكد أنديك أن الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي اليوم «بانتظار براهين بأن كلاهما جدي في التوصل الى اتفاق وتطبيقه». ويضيف «ان الغاية الأساسية من المفاوضات غير المباشرة هي لمنح الجانبين الثقة بأن أي مفاوضات مرتقبة ستؤدي الى نتيجة، وأنه سيتم التوصل الى اتفاق يلبي أدنى مطالبهما». ولفت أنديك الى أن «أبو مازن غير مقتنع حتى الآن بأن نتانياهو جدي في التوصل الى اتفاق، إلا انني متفائل بأننا سنصل الى مفاوضات مباشرة في وقت سريع». ورداً على سؤال عن مبررات تفاؤله على رغم العقبات الداخلية التي تواجه نتانياهو (حكومة يمينية) وعباس (الانقسام الفلسطيني)، يلخص المفاوض السابق هذه الأسباب بخطوات نتانياهو حتى الآن (تبني حل الدولتين والتجميد الجزئي للاستيطان والتهدئة غير المعلنة في القدس). أما من الجانب الفلسطيني فيرى أنديك أن تولي السلطة الفلسطينية ضمان أمن الضفة الغربية و «حماس» ل «أسبابها الخاصة» في ضمان أمن قطاع غزة يدعو الى التفاؤل. ويوضح «اذا نظرنا الى الظروف التي أعاقت بقوة احراز تقدم في الماضي فهي الأنشطة الاستيطانية من الجانب الاسرائيلي وأعمال العنف والارهاب من الجانب الفلسطيني»، ويضيف «ان الجانبين يفهمان الوضع اليوم. وهذا الواقع (الهدوء الأمني ووقف الاستيطان) يوفر مناخاً يمكن الجانبين التركيز على قضايا الحل النهائي من دون الالتهاء بأعمال ارهاب أو أنشطة استيطانية». ويشدد على أن «هذا سبب للأمل» مشيراً الى ان «الظروف السياسية اليوم للمفاوضات أفضل بكثير مما كانت عليه خلال وقت طويل». أما عن العامل الاقليمي فيرى أنديك أن تبني الجامعة العربية خيار المفاوضات غير المباشرة مهم وايجابي. ويقول: «في الماضي، أيام أوسلو، حين كان التردد العربي غالباً على الموقف، كانوا يفضلون أن يتولى (الرئيس الراحل ياسر) عرفات مهام التفاوض وعبء التنازلات». أما اليوم فيشير أنديك «فإن صك الجامعة العربية لأبو مازن برهان مهم على التزام الدول العربية بالمفاوضات. وهذا مهم جداً وإيجابي».