أقر مجلس النواب الأميركي، بعد مفاوضات تشريعية عسيرة، مشروع قانون الإصلاح المالي، الموجّه بصورة رئيسة إلى فرض مزيدٍ من الرقابة المالية على تجارة مشتقات المال (التوريق)، وتتصدر لائحة المتهمين المتورطين فعلاً في الأزمة المالية، إذ وضع مشروع القانون قيوداً مشددة، مع استثناءات على مزاولة هذه التجارة التي حققت للصناعة المصرفية الأميركية أرباحاً بقيمة 23 بليون دولار عام 2009. واشترط مشروع القانون، لممارسة المؤسسات المصرفية القابضة تجارة المشتقات، حصر أشكالها الأكثر خطورة في مؤسسات فرعية «منفصلة» غير مؤهلة للحصول على أي لون من ألوان الدعم الحكومي في حالة الإعثار. لكن ماذا يحصل لو تعرضت هذه الفروع المرتبطة بالأم، إلى عثرات مالية، كونها غير محمية من السلطات الحكومية، أفلا تصيب هذه العثرات الجهاز الأساسي المرتبطة به، وعندها ألا تعود المشكلة إلى النتيجة ذاتها؟ من جهةٍ أخرى، أجاز القانون مزاولة المضاربة بعقود أسعار الفائدة والصرف والذهب والفضة وأنواع لمبادلات الائتمان، إضافة إلى ممارسة هذه المؤسسات تجارة المشتقات لغرض التحوط ضد الأخطار لحسابها الخاص. وتسري القيود الجديدة بعد سنتين. وإذ نترقب في اتحاد المصارف العربية الآليات التنفيذية المفترضة للقانون بعد أن يوقعه الرئيس الأميركي باراك اوباما، فلا بد من أن نرحب بخطوات المشرع الأميركي لفرض مزيدٍ من القيود على سوق المشتقات المالية، بخاصة أننا حذرنا منذ البداية من أخطار أسواق مشتقات المال، والتي يعتبر خبراء أنها تمثل السبب الرئيس للأزمة العالمية. وسبق أن أعلنت أن هذه الأدوات المالية تمثل قنابل موقوتة، سواء بالنسبة إلى الذين يتعاملون فيها أو إلى النظام الاقتصادي في شكل عام. وتشير آخر الإحصاءات عن سوق المشتقات، إلى أنها تبلغ في أميركا وحدها ما يعادل 300 تريليون دولار، أي ما يعادل 20 مرة حجم الاقتصاد. وتتجاوز على المستوى الدولي بحسب إحصاءات بنك التسويات الدولي، 600 تريليون دولار. لذلك، دعمنا التوجهات الخاصة لإيجاد صيغة عالمية للمعايير المحاسبية. ويوضح خبراء في هذا المجال أن المطبق في العالم المعايير المحاسبية الدولية (IFRS) والمعايير المحاسبية الأميركية، وأكدنا أهمية أن تتبنى الدول معايير وطنية مشتقة من المعايير الدولية والأميركية. إن التفاوت في استخدام المعايير المطبقة في الشركات العالمية، يجعل من الصعوبة وضع مقارنات لمتخذي القرار الاستثماري، بخاصة المؤسسات المالية (الممولون)، نظراً إلى ضغط مؤسسات المال وأسواقه العالمية، الهادفة إلى توحيد المعايير المحاسبية ليتسنى لها تمويل الشركات العالمية وفق رؤية واضحة. ونشير بارتياح إلى تأثر البنوك الإسلامية بصورة أقل بالأزمة العالمية، كونها لا تتعامل بالمشتقات المالية والمضاربات الورقية، وكونها تعمل على ربط عمليات التمويل بأنشطة حقيقية. ويتضمن المشروع الأميركي إنشاء هيئة لحماية المستهلك ضد أي ممارسات تعسفية في مجالات الرهن العقاري والائتمان الاستهلاكي وأشكال منتجات المال الاخرى، وتتمتع الهيئة المقترحة التي تتخذ مقرها في مبنى مجلس الاحتياط الفيديرالي، بصلاحيات واسعة لوضع القواعد الضرورية للنهوض بمهمتها وتنفيذها في حق المصارف واتحادات الائتمان التي يبلغ حجم أصولها 10 بلايين دولار في حد أدنى. وعوّل مشرّعو القانون على بندين رئيسين لتقليل احتمال تكرار الأزمة المالية، تمثل أولهما في إنشاء مجلس خاص لمراقبة أداء قطاع المال وأدواته، وأسس الثاني آلية ذات صلاحيات واسعة تتيح تصفية المؤسسات المالية الضخمة في حالة الإعثار. وننطلق في وجه عام من قناعة بأن العمل المصرفي، كما نراه، هو قيم وأخلاق ومبادئ، يعني التزاماً واضحاً بتمويل احتياجات حقيقية للأفراد والمؤسسات، واستثماراً في مشاريع للقطاع الخاص والقطاع العام، وتمويل التجارة العالمية، وغيرها من المهام التي ننصح المصارف بأن تركز جهودها عليها لنبتعد قدر الإمكان عن الهزات المالية غير المحمودة، ونصوّب مسار المصارف في العالم. * رئيس اتحاد المصارف العربية