يختلف متابعو الأدب والشعر ويتفقون على شكل القصيدة التي كتبها الشاعر ويتذوقها القارئ، وما زالت حدة القول تجابه بعض تجارب قصيدة النثر، انتصاراً للقصيدة العمودية. وفريق آخر ينتصر دوماً لقصيدة التفعيلة أو للنص التجريبي الذي يتجاوز المرحلة، كما يرون لكتاباتهم الإبداعية. والشاعر مريع عسيري الذي كتب الشعر من دون مرجعيات معرفية واتخذ لصوته الشعري مكاناً داخل تجربة القصيدة في المملكة، ولديه توجه وانقياد للقصيدة العمودية التي تمرحل في سماعها أولاً بقراءات للشعراء المتنبي وابن زيدون وأحمد شوقي وناجي إبراهيم ومهدي حكمي وغيرهم، ثم تابع تجربته بمحاولات كتابة قصيدته حتى أتت مكتملة ومحمومة بالحس الفطري ومشبعة شعرياً بالمفردة الملحية في منطقة جازان التي ولد فيها، كشف في حديثه إلى «الحياة» أنه كتب الشعر عند ال13 من عمره، ويحفظ منه الكثير، وتنوعت مواضيعه ما بين الوطني والحماسي والغزل والرثاء والمديح. يقول عسيري إنه من بيت يعرف الشعر والأدب ولا تغادره القصائد فعمه مريع بن عبدالخالق أحد الشعراء على مستوى المنطقة الجنوبي، «لكنني لم أعاصره. إذ توفي منذ زمن، إلا أن توارث الشعر جاء من سلالة عمي الجمالية كما يبدو». ويعيد الفضل في هذا الثراء إلى الطبيعة الخصبة التي حوته في منطقة جازان، ما انعكس على شكل كتابة القصيدة ووقعها وحتى حال ميلادها، فكما يقول: «أنساق للعبارات في مرج المنظر بيتاً تلو الآخر حتى تمام القصيدة التي ليس لها حضور في وقت محدد، فهي تأتي في أي وقت، وحينها يجب أن أغتنم فترة الزمن للقبض عليها»، وهو يمجد لحظتها بالعزلة حتى يكمل القصيدة التي تصل إلى «أكثر من 100 بيت شعري، ولا يغفر أي إخفاق في الوزن وبحور الشعر، ف«القصيدة تفشل، لذا القصائد التي أنظمها يسحب كل بيت البيت الذي بعده»، مؤكداً أنه ليس من الشعراء الذين يبحثون عن القصيدة، بل يجب على «القصيدة أن تحكم القبضة عليّ وتسيطر على كل مشاعري، وإلا لا أكتب ولا أبحث عنها، وهي من تأتي تفاعلاً مع الحدث». وعن مشاركاته وغياب صوته عن المشهد الثقافي قال مريع: «أنا أكتب لنفسي لأستمتع وأتلذذ بالشعر. شاركت في أكثر من مناسبة، منها على مستوى المنطقة، وأخرى وطنية»، وكشف أنه سيصدر قريباً نتاجه الشعري في أكثر من ديوان، نظراً لامتلاكه لأكثر من 100 قصيدة احتفظ بها، وقال: «محتار بين اختيار القصائد التي سأنشرها في أول ديوان، ولكن لا بد من تدارك التأخير الذي تعمدته، وسأنهي أولاً إجراءات فسح وطباعة الدواوين قريباً». وأوضح أن من بين قصائده التي لاقت صدى واسعاً وأشاد بها الكثير من الشعراء والأكاديميين العرب قصيدة «خطيئة الشوق»، وقرأها شاعر عراقي ورد عليّ بقوله: «لو لم تكتب إلا هذه القصيدة لكفى»، واصفاً مريع قصيدته ب«كانت رمزية ورائعة.. ومنها: أتيتها بعض باق / فر من قيدي يُشتف من خطوتي / وجدي وتسهيدي ففتنة الشوق لم تأبه بذاكرة / أسيرة بين لاءاتي وتنهيدي أرنو إلى وصل من تزهو بخارطتي/ ما طوّق الفكر من ردع لتأييدي أتوه في حضنها، أغفو، أقبّلها / أشتم فيها الليالي البيض من عودي أودع الشاهد المشدوه، معتذراً / ما عشت، لا تعجبي هذي تقاليدي وقال إنه عاشق للقصائد العمودية، لكن «هناك من يجبرني على كتابة قصائد باللهجة الجازانية، وآخر ما كتبته: يا موج هدي شوية / عندي جواب وهدية أكرم سخي الأيادي / قلبه تمنى بنية ريمة أبوها أمحبادي / والاسم أحلى صبية وأشار مريع إلى أنه كتب قصيدة وطنية بمثابة ملحمة، عنوانها: «وطني منار المجد»، تتحدث عن إنجازات المملكة منذ عهد المؤسس عبدالعزيز إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كما قال إنه كتب وصيته في قصيدة وامتدحها بعض الأدباء بقوله: «بأنها منهج يدرّس في قصيدة»، كما كتب قصيدة رثائية من 50 بيتاً، وأغلقها ولم يستطع فتحها بعد كتابتها حتى الآن، ولم تظهر لأحد، وهي رثائية في ولده الذي توفي قبل خمسة أعوام، ويخص «الحياة» منها بهذه الأبيات: «إنه.. عُمر من أين أبدأ والآلام تعتصر قلباً يكاد على فرقاك ينفطر! وما أقول وإحساسي يطوّقه حزن أحال حروفي زائر حذر؟!» إلى أن قال: «يقول (ماما وبابا) إن موعدنا دار الخلود فلا تأسوا، سأنتظر ولن يطول بنا التحنان غاليتي فوعد ربك آت، والمدى سفر» وعلق مريع عسيري في آخر حديثه حول المشهد الثقافي في جازان قائلاً: «أرى أن المشهد الثقافي في المنطقة حالياً لا يواكب الزخم الأدبي التي تفاخر به جازان، ولا يحاكي غرورها. فالمنطقة منطقة ثراء شعري، هو العلامة الفارقة لأبناء المنطقة، فكل من يخرج من جازان شاعر. ولمثقفي المنطقة أقول يفترض أن يكون الأدب خير قائد، ويجب أن نعود كما كنا في السابق يداً واحدة والابتعاد عن الخلافات. علينا أن ننمي عرش الأدب في المنطقة بدلاً من هدمه، فموروثنا أرفع من الصورة الحالية. إنه من صميم أبجديات المنطقة».